حكومات الربيع الأردني
عندما يبدأ الحديث عن الإصلاح الاقتصادي، فإن أسرع ما يتبادر إلى الذهن هو مسألتا الشفافية ومحاربة الفساد؛ إذ إنهما الأكثر تأثيرا في نفوس المجتمع، ولربما تكونان الأخطر.
وثمة أسئلة كثيرة لم تجب عنها حكومات الربيع الأردني الاربع، بدءا من حكومة سمير الرفاعي الثانية، فحكومات معروف البخيت وعون الخصاونة وفايز الطراونة، وهي أسئلة مرتبطة بشكل عام بملفات الفساد الكثيرة والكبيرة التي لم يحاسب المتهمون بها حسابا حقيقيا، ولم تكن هناك محاكمة عادلة تفصل الخيط الأبيض من الأسود، وتبت في مصير ملفات يظن الناس أنها أفقدت الخزينة المليارات.
وما تزال مئات القضايا المحولة من هيئة مكافحة الفساد إلى القضاء بدون نتيجة نهائية، رغم أن سرعة البت في هذا النوع من القضايا مفيدة للجميع، سواء الدولة أو المجتمع، لناحية تحسين المزاج العام، وإطفاء تعطش الناس إلى إجابات كثيرة عن الأسئلة ما تزال تدور في أذهانهم بدون جواب شاف.
وقد يكون السؤال الأكثر تداولا وإلحاحا في المجتمع هو: أين تذهب "المصاري"، وكيف أنفقت؟ والإجابة عن هذا السؤال عمليا قد لا تكون بالأرقام، ومصير ما فقد من أموال بات معروفا، ولا يتوقع أن يعود منها فلس واحد.
وكان الأجدى تقديم براهين تؤكد حرص الحكومات على المال العام، وتكشف حقيقة نواياها حيال محاسبة كل من تطاول على حقوق المجتمع.
أربع حكومات جاءت، رحل منها ثلاث والرابعة تتكهن بموعد مغادرتها الدوار الرابع، ولم تضع لنا قانونا يحل لغز أين تذهب المصاري؟ أو على الأقل يضع حدا له، وهو قانون "من أين لك هذا؟"، سواء كان تحت هذا المسمى أو أي اسم آخر، شريطة أن تكون الغاية منه المحافظة على المال العام بحق.
ومن المتوقع أن لا تتمكن حكومة فايز الطراونة أيضا من وضع قانون من هذا النوع، خصوصا أن المعطيات العملية تؤكد أن التشريعات التي ستعرض على مجلس الأمة معظمها اقتصادية، من بينها قانونا الضمان الاجتماعي والضريبة.
إذا لم يتمكن الأردن من وضع هذا التشريع في ظل مرحلة الربيع، فهل سيتسنى ذلك مستقبلا، خصوصا أن هذه المرحلة تعد الأكثر حساسية والأعلى سقفا؟
لا أظن أن المستقبل سيمكننا من ذلك، لاسيما أن نوعية مجالس النواب التي يتوقع أن يفرزها قانون الانتخاب الحالي ليست أفضل بكثير من تلك السابقة. وبالتالي، فمن الجائز التكهن بصعوبة إقرار تشريعات تصون المال العام مستقبلا.
الإصلاح الحقيقي كان يتطلب أن يسبق إقرار منظومة تشريعات النزاهة إقرار منظومة القوانين الناظمة للعمل السياسي، خصوصا أن اهتمامات الأغلبية تتركز على صون المال العام، وسد الطريق على الفاسدين، ومحاسبة كل من تسول له نفسه مجرد التفكير في سرقة حقوق الأردنيين والتطاول على المال العام.
الحكم على حكومة الطراونة ليس قطعيا، وما تزال الفرصة قائمة لوضع تشريع واحد من هذا القبيل، يبث رسالة قوية للمجتمع، فتؤكد أن السلطة التنفيذية حريصة على أموال الخزينة.
رئيس الوزراء أعلن أن هناك دورة استثنائية ثانية لمجلس الأمة تبدأ بعد رمضان. ولا ضير من تقديم هذا القانون الذي يتوفر لدينا نسخ كثيرة منه محفوظة في الأدراج.
ليس متوقعا من النواب عدم إقراره، طالما أن المعركة الانتخابية الجديدة باتت وشيكة، مع إعلان الحكومة المتكرر أن الانتخابات قبل نهاية العام؛ وإقرار أي قانون يصون الحقوق يمثل نافذة واسعة لتحقيق الشعبية لدى القواعد الانتخابية هو أمر ممكن. وقد يسجل لمجلس النواب السادس عشر أنه من أقر قانون الانتخاب المتخلف، وكذلك قانون "من أين لك هذا؟"، وهنا تكمن المفارقة.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
(الغد)