من يحمي المستثمرين؟
جمانة غنيمات
جو 24 : تاريخيا، كان المسؤولون يسوقون الأردن كبيئة استثمارية جاذبة، تتمتع بالأمن والأمان. وكثيرا ما ساعدت هذه الميزة الإيجابية البلد على استقطاب استثمارات كبيرة، وأقنعت أصحاب رؤوس الأموال بإقامة المشاريع في الأردن.
وحتى فترة قريبة، ظل البلد كذلك. وكان المستثمر يدرك في قرارة نفسه أن حقه محفوظ بالقانون، حتى لو طالت مدة التقاضي، واستغرقت سنوات طويلة، إذ كان يعزي النفس بأنه آمن على ماله وعياله، مطمئن على حاضره ومستقبله.
لكن الأمر بدأ يختلف في الآونة الأخيرة؛ إذ بدأ العديد من أصحاب الاستثمارات والمشاريع يتعرضون إلى ما يمكن توصيفه بـ"البلطجة" من قبل بعض المستقوين عليهم لفرض مطالبهم على الشركات.
والمشكلة ليست في أصحاب السوابق والبلطجية، فهؤلاء موجودون في كل مكان وزمان، بل تكمن المشكلة في ضعف تطبيق القانون عليهم ومحاسبتهم وعقابهم على ما يقترفون من مخالفات، خصوصا أن حوادث الاعتداء على المشاريع تكاثرت خلال الفترة الماضية، ربما لعلم المعتدين بأن تطبيق القانون اليوم في أضعف حالاته، وأن بإمكانهم استثمار الحال العام لفعل ما يريدون.
وتسبب التراخي في تطبيق القانون في شيوع ثقافة "آخذ حقي بيدي"، وبما يعيدنا إلى ما قبل الدولة، حينما كانت التجمعات تتقاتل على الماء والكلأ. وخطورة ذلك أنه يهشم فكرة دولة القانون والمؤسسات، ويفرغها من مضمونها الحقيقي الذي عملت أجيال كثيرة على تطبيقها وتكريسها على مدى عقود.
الحال مقلق ويطرح سؤالا مهما: من الذي اغتال القانون وجعل تطبيقه في الحدود الدنيا؟ ومن الذي يدفع المجتمع إلى الاقتناع بأن الحقوق تؤخذ عنوة، وأن الدولة بكل مؤسساتها عاجزة عن حماية صاحب مشروع أو مصنع أو محل تجاري.. إلخ؟
الاعتداء على الاستثمار، وتحديدا المقيم والوطني، بات يتكرر؛ إذ جرى الاعتداء على شركة القدس للتأمين منتصف الأسبوع الحالي، وقبلها كان الاعتداء على مصنع المناصير، وقبل هذا وذاك نعلم جميعنا أن ثمة عصابات متخصصة بسرقة السيارات تعجز كل الكوادر عن ضبطها ووضع حد لها، حتى ظن هؤلاء أن القانون ملكهم، وأن بإمكانهم تطبيق الشريعة التي يريدون والتي تخدم مصالحهم. ودعم ذلك حالة الضعف المريبة التي تلف الأجهزة المعنية، والتي لم نعد نخمن متى تطبق القانون ومتى تهمله! ومتى تلجا إلى الأمن الناعم أو ما يسمى بالأمن الخشن!
الدلالات كثيرة على تراخي الأمن في أداء دوره، وأروي هنا حادثة تؤكد صحة النظرية.
فبعد مشاجرة بين مجموعة من الشباب، لجأ أحد المصابين إلى دورية شرطة كانت متوقفة في مكانها المعتاد بالقرب من موقع المشاجرة، لنجدته ومساعدته ضد من اعتدى عليه. لكن المفاجأة الصادمة كانت بأن ردة فعل رجال الأمن لم تكن بحماية المعتدى عليه، بل بإدارة محرك السيارة وترك موقع الحادثة بدون حتى أن يسعفوا الجريح، أو حتى نقله إلى المستشفى بعد ضربه بأداة معدنية حادة!
ما حدث للشاب وللشركات والمصانع، مقلق وخطير؛ إذ كيف يتسنى لأحد أن يتغنى بالأمن والأمان ويظن أنه محمي من الدولة، بعد أن يتركه الأمن فيما دمه يسيل بدون أن يبادر إلى تطبيق القانون، وكأننا في العام 2012 نعود إلى ما كان عليه الأجداد الأولون، وإلى عهود ما قبل الدولة، بإنهاء كل المشاكل بصراع لا ينتهي إلا بفنجان قهوة، وبما يجعلنا نتساءل عن حاجتنا إلى الأمن والقانون والمحاكم والقضاء!
ليس المطلوب أمنا ناعما أو خشنا، فما نحتاجه بشدة هو الأمن فقط، وتطبيق القانون لحماية المعتدى عليهم، وصون الحقوق ومعاقبة المخطئ، بحيث نقضي على كل أشكال البلطجة التي بدأت تأخذ مدى جديدا، وتضرب السمعة الاستثمارية الطيبة للبلد، وتنفر المستثمرين من العمل وتدفعهم إلى ما لا نحبه ونرضاه.
استعادة هيبة الدولة واحترام القانون ما تزال ممكنة، شريطة وضع مسطرة واحدة تطبق على الجميع بعدالة، وبدون استثناءات وأجندات."الغد"
وحتى فترة قريبة، ظل البلد كذلك. وكان المستثمر يدرك في قرارة نفسه أن حقه محفوظ بالقانون، حتى لو طالت مدة التقاضي، واستغرقت سنوات طويلة، إذ كان يعزي النفس بأنه آمن على ماله وعياله، مطمئن على حاضره ومستقبله.
لكن الأمر بدأ يختلف في الآونة الأخيرة؛ إذ بدأ العديد من أصحاب الاستثمارات والمشاريع يتعرضون إلى ما يمكن توصيفه بـ"البلطجة" من قبل بعض المستقوين عليهم لفرض مطالبهم على الشركات.
والمشكلة ليست في أصحاب السوابق والبلطجية، فهؤلاء موجودون في كل مكان وزمان، بل تكمن المشكلة في ضعف تطبيق القانون عليهم ومحاسبتهم وعقابهم على ما يقترفون من مخالفات، خصوصا أن حوادث الاعتداء على المشاريع تكاثرت خلال الفترة الماضية، ربما لعلم المعتدين بأن تطبيق القانون اليوم في أضعف حالاته، وأن بإمكانهم استثمار الحال العام لفعل ما يريدون.
وتسبب التراخي في تطبيق القانون في شيوع ثقافة "آخذ حقي بيدي"، وبما يعيدنا إلى ما قبل الدولة، حينما كانت التجمعات تتقاتل على الماء والكلأ. وخطورة ذلك أنه يهشم فكرة دولة القانون والمؤسسات، ويفرغها من مضمونها الحقيقي الذي عملت أجيال كثيرة على تطبيقها وتكريسها على مدى عقود.
الحال مقلق ويطرح سؤالا مهما: من الذي اغتال القانون وجعل تطبيقه في الحدود الدنيا؟ ومن الذي يدفع المجتمع إلى الاقتناع بأن الحقوق تؤخذ عنوة، وأن الدولة بكل مؤسساتها عاجزة عن حماية صاحب مشروع أو مصنع أو محل تجاري.. إلخ؟
الاعتداء على الاستثمار، وتحديدا المقيم والوطني، بات يتكرر؛ إذ جرى الاعتداء على شركة القدس للتأمين منتصف الأسبوع الحالي، وقبلها كان الاعتداء على مصنع المناصير، وقبل هذا وذاك نعلم جميعنا أن ثمة عصابات متخصصة بسرقة السيارات تعجز كل الكوادر عن ضبطها ووضع حد لها، حتى ظن هؤلاء أن القانون ملكهم، وأن بإمكانهم تطبيق الشريعة التي يريدون والتي تخدم مصالحهم. ودعم ذلك حالة الضعف المريبة التي تلف الأجهزة المعنية، والتي لم نعد نخمن متى تطبق القانون ومتى تهمله! ومتى تلجا إلى الأمن الناعم أو ما يسمى بالأمن الخشن!
الدلالات كثيرة على تراخي الأمن في أداء دوره، وأروي هنا حادثة تؤكد صحة النظرية.
فبعد مشاجرة بين مجموعة من الشباب، لجأ أحد المصابين إلى دورية شرطة كانت متوقفة في مكانها المعتاد بالقرب من موقع المشاجرة، لنجدته ومساعدته ضد من اعتدى عليه. لكن المفاجأة الصادمة كانت بأن ردة فعل رجال الأمن لم تكن بحماية المعتدى عليه، بل بإدارة محرك السيارة وترك موقع الحادثة بدون حتى أن يسعفوا الجريح، أو حتى نقله إلى المستشفى بعد ضربه بأداة معدنية حادة!
ما حدث للشاب وللشركات والمصانع، مقلق وخطير؛ إذ كيف يتسنى لأحد أن يتغنى بالأمن والأمان ويظن أنه محمي من الدولة، بعد أن يتركه الأمن فيما دمه يسيل بدون أن يبادر إلى تطبيق القانون، وكأننا في العام 2012 نعود إلى ما كان عليه الأجداد الأولون، وإلى عهود ما قبل الدولة، بإنهاء كل المشاكل بصراع لا ينتهي إلا بفنجان قهوة، وبما يجعلنا نتساءل عن حاجتنا إلى الأمن والقانون والمحاكم والقضاء!
ليس المطلوب أمنا ناعما أو خشنا، فما نحتاجه بشدة هو الأمن فقط، وتطبيق القانون لحماية المعتدى عليهم، وصون الحقوق ومعاقبة المخطئ، بحيث نقضي على كل أشكال البلطجة التي بدأت تأخذ مدى جديدا، وتضرب السمعة الاستثمارية الطيبة للبلد، وتنفر المستثمرين من العمل وتدفعهم إلى ما لا نحبه ونرضاه.
استعادة هيبة الدولة واحترام القانون ما تزال ممكنة، شريطة وضع مسطرة واحدة تطبق على الجميع بعدالة، وبدون استثناءات وأجندات."الغد"