القبول الاستثنائي والعدالة المطلقة
قرأت خبرا بتاريخ 4/4/2012 مفاده أن طلبة التوجيهي في ثانوية وادي موسى يحتجون لعدم وجود مدرس لمادة علوم الأرض لغاية ذلك التاريخ،وأن معلم الأحياء يقوم بتدريس مادة علوم الأرض ،وأنهم يتوجسون خوفا من الامتحان لشعورهم بأنهم لم يحيطوا بالمادة إحاطة كافية في ظل عدم وجود معلم متخصص،وقد شارف العام الدراسي على نهاياته. هذه الحالة تعطي مثالا على الفروق التنموية والخدمية الهائلة بين مناطق المملكة.وهذا المثال متكرر ،ومتعدد ،في مناطق أخرى كثيرة،و يؤشر على حالة سائدة في الأطراف الأردنية.
وهذه الظروف والحالات هي التي دفعت الدولة للتفكير في قصة الاستثناءات في القبول الجامعي.ووقفت خلف الفكرة النبيلة بتدخل الديوان الملكي للتخفيف من حدة الفروق بين المناطق والشرائح الاجتماعية ،لجهة مساندة أبناء العشائر التي تعيش ظروفا تنموية يشوبها نقص كبير ،وأبناء المناطق الأقل حظا في الخدمات و التنمية ونوعية التعليم . ومن هنا نبعت فكرة تكريس العدالة بمنح الطلبة الأقل حظا شيئا من الاستثناء أو التمييز الايجابي بغية تخفيف ما يلحق بهم من أضرار ،والأخذ بأيديهم لنيل فرصة معقولة ولا نقول متساوية مع أصحاب الفرص والحظوظ والإمكانات الجيدة . فكانت هذه الاستثناءات محاولة للتقريب بين الفئات المجتمعية ،وجسر الفجوة بين من يملك الظروف الاجتماعية والتنموية والاقتصادية الجيدة ومن لايملك شيئا من حطام الدنيا.
في الآونة الأخيرة تخصصت أقلام وجهات وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني للدعوة لإلغاء االمكارم والاستثناءات المتعلقة بالقبول الجامعي كلية ،تحت عنوان تحقيق العدالة بين الطلبة . ولاشك أن الدعوة إلى العدالة المطلقة في القبول بين طلبة لا تتساوى ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية على الاطلاق،هي دعوة لنبذ العدالة لا الى تحقيقها. ولايمكننا الفصل بين الطالب وظروفه وبيئته ،وإذا كانت اختبارات الثانوية العامة موحدة،فإن ظروف الطلبة ليست موحدة،ومن هنا فلا ينبغي تكريس الظلم بتوحيد أسس القبول.
الهجمة على المكارم والاستثناءات في القبول تخفت خلف ذريعة مكافحة العنف الجامعي . وبحكم عملي واهتماماتي لم أصادف دراسة علمية منشورة تؤكد وجود علاقة إحصائية ورقمية ذات دلالة بين الطلبة المتورطين في العنف الجامعي وبين المكارم والاستثناءات في القبول . كما تم تسويق الفكرة تحت عنوان آخر براق هو الرقي بمستوى التعليم العالي وكأن السبب في تدهور التعليم العالي هو دخول أبناء العسكريين والمعلمين والحراثين والمناطق الأقل حظا الجامعات،متناسين كما كبيرا من العوامل والأسباب التي تقف خلف مشكلات التعليم العالي والتعليم العام قبله.
في هذه اللحظة الحساسة جاءت التعديلات على أسس المكرمة الملكية لأبناء العشائر ،وقد تقبلها الرأي العام بصدر رحب . لكن التصريحات التي أطلقها وزير التعليم العالي حول إتجاه النية لإلغاء مكرمة الجيش والمعلمين والمناطق الأقل حظا وكل المكارم والاستثناءات لم تصادف سوى الدهشة والاستغراب ،وقد فعل الوزير خيرا أن نفى تلك التصريحات ،مما أنقذنا من سلسلة من الاحتقانات والتوترات ليس من الحكمة إثارتها في هذه اللحظة . وقبل ذلك ليس من العدل تجريد هذه الفئات من مكتسبات إستحقتها لأسباب ومبررات مازالت قائمة ولم تتغير ، بل ازدادت وجاهة . وقد تكون الحاجة الى المكارم والاستثناءات لمن يستحقها باتت أكثر ظهورا في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة ،لا سيما لفئات أبناء العسكريين والمتقاعدين والمعلمين والمناطق المحرومة في الأرياف والبوادي والمخيمات.
عشاق العدالة المطلقة فليطلقوا طاقاتهم وإبداعاتهم لإحداث عدالة تنموية واجتماعية واقتصادية وتعليمية بين الجميع أولا. ومن يتولى مسؤولية اليوم تخوله التوسع في إنصاف المعذبين في الأرض ينبغي أن لا يتردد أبدا.