بهدوء...
في لحظة فارقة من عمر الوطن نجد أنفسنا في ظل ظرف متوتر ،وللتوتر كلفته المعنوية والمادية التي ندفعها جميعا. ويفقدنا المنسوب العالي من التوتر منسوبا أعلى من القدرة على الفهم . وكلما أمعنا في توتير الأجواء كلما أوغلنا في الطرق المسدود.
نحن بحاجة حقيقة لخفض منسوب التوتر ،ورفع منسوب الهدوء العام ليتسنى لنا فرصة مواتية لنفه بعض جيدا ؛ فالمشهد الوطني العام أرهق بموجات من التوتر المبرر وغير المبرر، وأرهق المشهد الاجتماعي بموجات التوتر والعنف المجتمعي ،والمشهد التعليمي العام والعالي أرهق بموجات متتالية من التوتر والعنف الطلابي والإضرابات والاعتصامات المطلبية وغير المطلبية،أما المشهد الاقتصادي فقد أعياه التوتر المتصاعد . والتوتر أضر بفرص الاستثمار الخارجي والداخلي ،و ألقى بظلاله القاتمه على المشهد السياسي ،وألحق ضررا بالغا في فرص نجاحنا في خلق بيئة صديقة لحالة حوار وطني حقيقية لا يتمترس فيها كل طرف حول جملة من المسلمات والمطالب والمعيقات والحواجز . لقد أضعنا الكثير من فرص الحوار الوطني الجاد والمنتج ،ولعل تجربة رفض الفصيل السياسي الأبرز المشاركة في عملية الحوار الوطني،وإصراره على فرض متوالية لا تنتهي من الشروط المسبقة على أعتاب أي محاولة لخلق فرصة حوار حقيقي ،وإجهاض كل الفرص بسبب من التمسك بمطالب لا تشكل أولويات وطنية حقيقة ،هذه الحالة،تؤكد لنا مخاطر الاستسلام للتوتير والتوتير المضاد. القادرة على نقلنا إلى محطات خلافية جديدة ،تأخذنا في مسارات متباعدة من وجهات النظر .
الهدوء هو الملطوب اليوم ،الهدوء من الجميع،الهدوء الوطني العام،الهدوء في الشارع ،والهدوء في الصالونات السياسية ،والهدوء في مراكز صنع القرار،والهدوء في التفكير،والهدوء في القرار،والهدوء في السلوك.
نحن بحاجة لميكانزمات تنتج الهدوء وترسخه،وتثبط التوتر وتخفف من منسوبه ،وتعيق تسيد المتوترين للمشهد الوطني العام.هنالك من يسعى إلى توتير الأجواء ،ووجوده وقيمته يرتبطان بشد أعصاب الوطن ،وهناك من يرفع شعار أنا متوتر إذا أنا موجود! وهناك من يلتمس سبيلا إلى التوتر ليلعب دور الضحية،وهناك من يأمل بتحقيق أجندات مشبوهة وجهنمية في سياقات توتير المشهد الوطني.
واجب العقلاء والمخلصين والعاشقين لهذا الوطن أن يفوتوا الفرصة على عشاق التوتر ،نحن أم الولد ،ونحن من يهمنا سلامته،ونحن من يهمنا هدوء الوطن ،و نحن من يهمنا تقليص فرص المتاجرة بالدماء والحريات وحقوق الإنسان، ونحن نعي أن بلدنا حقق كل منجزاته بفضل ما توفر عليه وله من فرص الهدوء النسبي في ظل إقليم ينتج التوترات بكل أنواعها وأشكالها ، ونحن على يقين بأن المعجزة الأردنية التي يحاولون التنكر لها ،بل تشويهها ،ما تيسر لنا إنجازها إلا بفضل السياسات الهادئة والإجراءات الهادئة والعلاقات الهادئة . فلنجتهد لنضيع عليهم فرصة اللعب في مربعهم ،مربع التوتر. بعد أن أسقط بيد جهات كثيرة داخلية وخارجية بفضل الهدوء الأردني الرسمي والشعبي،لقد نجحت سياسات الهدوء الأمني والسياسي والاجتماعي ،في تنفيس كثير من الاحتقانات ،وخفضت من منسوب التوتر،لذا فإن الباحثين عن آفاق جديدة لإحياء خطابهم السياسي المثقل بالرومانسية والخيالية والمفرغ من الموضوعية والمفتقد للجماهيرية يسعون الآن لتوتير الأجواء والظروف وجر البلاد إلى مربع الصفر الفوضوي الذي يطمحون للوصول له .الرد الوحيد والأقوى هو الهدوء والمزيد من الهدوء والتصرف بهدوء ،،،