الزراعة والمزارع والكارثة
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : كان جل الحديث في اجتماعات العزاء خلال اليومين السابقين في بلدة «فارا» العجلونية التي يعتمد معظم سكانها على الزراعة الغورية، متركزاً على مشاكل الزراعة التي تفاقمت هذا العام إلى ذلك الحد الذي يشكل تهديداً لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، حيث تعرضوا لأضرار الصقيع الذي اجتاح مزارعهم هذا العام، وحولها إلى كارثة مجتمعية كبيرة لم يلتفت إليها أحد، ولم تشكل سبباً كافيا لدى الحكومة للتفكير في الاهتمام و المساعدة أو التعويض.
الكارثة الكبرى التي يتحدث عنها المزارعون بألم وحزن وقلق عميق يصل إلى درجة تقبل العزاء، تتمثل بمعضلة التسويق التي تفاقمت وأدت إلى انخفاض الأسعار إلى درجة الانهيار، حيث يقول أحدهم من الذين يمتلكون وعياً كبيراً بهذا الشأن وإلماماً واحاطة تامة بحيثيات المشكلة؛ يتحدث عن نفسه بأنه عبأ شاحنة بصناديق البندورة الممتازة وذهب إلى السوق المركزي للخضار، فتم بيع الصندوق بـ (30) قرشاً، حيث أن الصندوق يحوي (10) كغم، مما يجعل ثمن الكيلوا الواحد بـ (3) قروش، علماً بأن تكلفة الصندوق على المزارع تعادل (180) قرشاً، بالحد الأدنى الذي يكون (راساً برأس)، لأن ثمن العبوة الفارغة (30) قرشاً، فإذا أضفت الى ذلك تكاليف أجور القطف والنقل، والسماد والعناية واثمان المياه دون حساب جهد المزارع المالك نفسه وأهل بيته، يصل إلى هذا الرقم.
الأزمة السياسية الاقليمية المحيطة كان لها أثر سلبي يؤكد هذه القضية، حيث كان هناك اشكالات حدودية تتعلق بتصدير الخضار إلى العراق وإلى سوريا ولبنان، وإلى الخليج، ولكن المزارعين يتساءلون عن سر تفاقم المشكلة هذا العام، مع أن التصدير بقي قائماً طوال السنوات السابقة، وعندما تم فتح الحدود العراقية لمدة يوم واحد في الاسبوع الفائت فقد ارتفع ثمن الصندوق إلى (150) قرشاً، ولكن يجب أن نقول جميعاً بصوت واحد، إن المزارع ينبغي أن لا يتحمل عبء هذه المشكلة كاملاً وحده، ومهمة المزارع تقتصر على امتلاك القدرة على الانتاج وتجويد الانتاج وتحسينه، وهذا حسبه من الهم الوطني، ويجب أن لا يكسر ظهره بأكثر من ذلك.
مهمة وزارة الزراعة ومهمة الحكومة بكل أجهزتها ومؤسساتها تأمين تسويق انتاج المزارعين، وتأمين فتح الحدود، وتأمين ترتيب علاقات الحدود وإدخال البضاعة وإخراجها ضمن كل الظروف القائمة، فمهمة التسويق ليست من اختصاص المزارع الغلبان، وليس من مهمته حل مشاكل الحدود وتأمين الشاحنات، وليس من مهمته البحث عن أسواق خارجية أخرى، تكفي لاستيعاب الفائض الكبير من الانتاج.
لقد استطاع أحد التجار « الاسرائيلين» من الدخول وشراء محصول «الخيار» وإعادة تغليفه وتصديره الى السوق الاوروبي لبضعة أيام فقط، حيث ارتفع سعر العبوة من دينار واحد إلى ( 12) دينار، لأن دولته تفتح له أبواب الأسواق الأوروبية على مصراعيها، وتؤمن لمزارعيها أسواقا كافية لاستيعاب انتاجهم بأفضل الأسعار واغلاها عالميا.
السؤال الكبير لماذا لا نستطيع نحن في الاردن التصدير إلى الأسواق الأوروبية وفقاً للمعايير التي يريدونها، مع العلم أن انتاج المزارع الأردنى وصل إلى مستويات متقدمة، ويستطيع تحقيق المواصفات المطلوبة، وفتح هذه الأسواق سوف يؤدي إلى تطوير الانتاج الأردني وتحسينه، وسوف يؤدي الى رفع سوية المزارع الاردني، خاصة إذا وجد السعر المناسب والدعم المناسب عن طريق تكفل الحكومة بتأمين تسويق انتاجه.
يتم الحديث عن هذه المشكلة المتفاقمة من سنوات طويلة، ويتم تكرار طرح الحلول في كل مرة، ولا يجد المزارع أذناً صاغية ولا يلمس تقدماً ملحوظا على هذا الصعيد؛ ما جعل المزارع يخضع لجملة من الوساوس الغريبة المتراكمة التي شكلت عنده حساً بفكرة «المؤامرة» عليه بوصفه مزارعا، وعلى الغور وعلى الزراعة برمتها، من أجل هجران الزراعة بعد التأكد من عدم الجدوى، وتعرضه للخسائر المتلاحقة.
الحكومة ووزارة الزراعة وكل ما يتعلق بهذا الشأن من مؤسسات مدنية ونقابية، ينبغي أن تلتفت إلى المزارع وتصغي إليه باهتمام، وأن تعمد إلى المسارعة في حل المشكلة التي تصل إلى حجم الكارثة المحققة، والتي تصل آثارها إلى عدد كبير من الأسر التي تعتمد في رزقها وتعليم أبنائها على الانتاج الزراعي، ويجب أن نلمس حلولاً واقعية وملموسة، يحس بها المزارع الذي يعد (المنتج الوحيد) في مجتمعنا الاستهلاكي الذي يعاني من غياب مسارات الانتاج الأخرى.
الدستور
الكارثة الكبرى التي يتحدث عنها المزارعون بألم وحزن وقلق عميق يصل إلى درجة تقبل العزاء، تتمثل بمعضلة التسويق التي تفاقمت وأدت إلى انخفاض الأسعار إلى درجة الانهيار، حيث يقول أحدهم من الذين يمتلكون وعياً كبيراً بهذا الشأن وإلماماً واحاطة تامة بحيثيات المشكلة؛ يتحدث عن نفسه بأنه عبأ شاحنة بصناديق البندورة الممتازة وذهب إلى السوق المركزي للخضار، فتم بيع الصندوق بـ (30) قرشاً، حيث أن الصندوق يحوي (10) كغم، مما يجعل ثمن الكيلوا الواحد بـ (3) قروش، علماً بأن تكلفة الصندوق على المزارع تعادل (180) قرشاً، بالحد الأدنى الذي يكون (راساً برأس)، لأن ثمن العبوة الفارغة (30) قرشاً، فإذا أضفت الى ذلك تكاليف أجور القطف والنقل، والسماد والعناية واثمان المياه دون حساب جهد المزارع المالك نفسه وأهل بيته، يصل إلى هذا الرقم.
الأزمة السياسية الاقليمية المحيطة كان لها أثر سلبي يؤكد هذه القضية، حيث كان هناك اشكالات حدودية تتعلق بتصدير الخضار إلى العراق وإلى سوريا ولبنان، وإلى الخليج، ولكن المزارعين يتساءلون عن سر تفاقم المشكلة هذا العام، مع أن التصدير بقي قائماً طوال السنوات السابقة، وعندما تم فتح الحدود العراقية لمدة يوم واحد في الاسبوع الفائت فقد ارتفع ثمن الصندوق إلى (150) قرشاً، ولكن يجب أن نقول جميعاً بصوت واحد، إن المزارع ينبغي أن لا يتحمل عبء هذه المشكلة كاملاً وحده، ومهمة المزارع تقتصر على امتلاك القدرة على الانتاج وتجويد الانتاج وتحسينه، وهذا حسبه من الهم الوطني، ويجب أن لا يكسر ظهره بأكثر من ذلك.
مهمة وزارة الزراعة ومهمة الحكومة بكل أجهزتها ومؤسساتها تأمين تسويق انتاج المزارعين، وتأمين فتح الحدود، وتأمين ترتيب علاقات الحدود وإدخال البضاعة وإخراجها ضمن كل الظروف القائمة، فمهمة التسويق ليست من اختصاص المزارع الغلبان، وليس من مهمته حل مشاكل الحدود وتأمين الشاحنات، وليس من مهمته البحث عن أسواق خارجية أخرى، تكفي لاستيعاب الفائض الكبير من الانتاج.
لقد استطاع أحد التجار « الاسرائيلين» من الدخول وشراء محصول «الخيار» وإعادة تغليفه وتصديره الى السوق الاوروبي لبضعة أيام فقط، حيث ارتفع سعر العبوة من دينار واحد إلى ( 12) دينار، لأن دولته تفتح له أبواب الأسواق الأوروبية على مصراعيها، وتؤمن لمزارعيها أسواقا كافية لاستيعاب انتاجهم بأفضل الأسعار واغلاها عالميا.
السؤال الكبير لماذا لا نستطيع نحن في الاردن التصدير إلى الأسواق الأوروبية وفقاً للمعايير التي يريدونها، مع العلم أن انتاج المزارع الأردنى وصل إلى مستويات متقدمة، ويستطيع تحقيق المواصفات المطلوبة، وفتح هذه الأسواق سوف يؤدي إلى تطوير الانتاج الأردني وتحسينه، وسوف يؤدي الى رفع سوية المزارع الاردني، خاصة إذا وجد السعر المناسب والدعم المناسب عن طريق تكفل الحكومة بتأمين تسويق انتاجه.
يتم الحديث عن هذه المشكلة المتفاقمة من سنوات طويلة، ويتم تكرار طرح الحلول في كل مرة، ولا يجد المزارع أذناً صاغية ولا يلمس تقدماً ملحوظا على هذا الصعيد؛ ما جعل المزارع يخضع لجملة من الوساوس الغريبة المتراكمة التي شكلت عنده حساً بفكرة «المؤامرة» عليه بوصفه مزارعا، وعلى الغور وعلى الزراعة برمتها، من أجل هجران الزراعة بعد التأكد من عدم الجدوى، وتعرضه للخسائر المتلاحقة.
الحكومة ووزارة الزراعة وكل ما يتعلق بهذا الشأن من مؤسسات مدنية ونقابية، ينبغي أن تلتفت إلى المزارع وتصغي إليه باهتمام، وأن تعمد إلى المسارعة في حل المشكلة التي تصل إلى حجم الكارثة المحققة، والتي تصل آثارها إلى عدد كبير من الأسر التي تعتمد في رزقها وتعليم أبنائها على الانتاج الزراعي، ويجب أن نلمس حلولاً واقعية وملموسة، يحس بها المزارع الذي يعد (المنتج الوحيد) في مجتمعنا الاستهلاكي الذي يعاني من غياب مسارات الانتاج الأخرى.
الدستور