الانتخابات التركية (2015م)
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : توجَّه (53) مليون تركي للإدلاء بأصواتهم يوم أمس في انتخابات عامة يتنافس فيها (20) حزباً تركياً، استطاع أربعة منها تجاوز النسبة (10%) فقط، وفقاً للنتائج غير الرسمية، حيث كان في المقدمة حزب العدالة والتنمية (258) مقعداً، وحزب الشعب الجمهوري (132) مقعداً، والحركة القومية (81) مقعداً، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي (79) مقعداً من إجمالي عدد النواب البالغ (550) مقعداً. هذه الانتخابات شهدت تراجعاً لحزب العدالة والتنمية الذي يمسك بمقاليد الحكم منذ (12) سنة، من (311) إلى (258) مقعداً، كما شهدت الانتخابات دخول الحزب الكردي للمرة الأولى إلى البرلمان بفوزه (79) مقعدا،ً وهذه النتيجة عرقلت طموحات حزب العدالة والتنمية الذي كان يود زيادة حصته هذا العام ليصل إلى حاجز القدرة على تعديل الدستور دون استفتاء شعبي، من أجل التحول نحو النظام الجمهوري الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية المنتخب شعبياً، بل إنه بحسب هذه النتيجة لا يستطيع تشكيل الحكومة بشكل منفرد فهو مجبر على التحالف مع أحد أحزاب المعارضة. ما يؤكده أردوغان وأوغلو أن هذه النتيجة تمثل إرادة الشعب التركي التي ينبغي أن تحترم بلا نزاع، لأن هدف الحزب خدمة الشعب التركي، وإعلاء شأن تركيا وليس خدمة الحزب وأعضائه، وعلى كل الأحوال فإن الشعب التركي هو المنتصر الحقيقي عندما يكون قادراً على فرض إرادته العامة وإعلائها فوق كل إرادة شخصية أو حزبية أو فئوية. حزب العدالة والتنمية ينبغي أن يقف مليّاً على النتيجة وأن يقرأ توجهات الشعب التركي بعناية، وربما تكون المشاركة مع الآخرين مساراً مقنعاً في ظل التطورات الهائلة التي تجري في الجوار العربي، وإزاء الطموحات الكردية في السعي نحو بلورة كيان كردي مستقل يضم الشعب الكردي المتوزع على أربع دول ويزيد، مما يحتم على الحكومة التركية أن تجد سياسة مختلفة في التعامل مع هذه الشريحة المهمة من الشعب التركي، حتى لا تتسع لديهم النزعة الانفصالية. حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى تقويم سياسته تجاه الشرق الأوسط الملتهب، ويتوقع أن يعمد إلى اتخاذ قرارت حاسمة تتعلق بالمشكلة السورية بدرجة أولى، حيث أن تركيا تستضيف ما يزيد على مليونين من اللاجئين السوريين، ومن ثم أيضاً إزاء المشكلة العراقية، ومشكلة «داعش» التي أصبحت على حدود تركيا، بالإضافة إلى علاقتها مع السعودية ومصر في مستوى مهم تؤثر في مستقبل المنطقة. من الواضح أن السنوات المقبلة ستشهد مجموعة من التسويات السياسية، ستكون تركيا أحد الأطراف المهمة المشاركة في صياغة هذه التسويات، وشكل الحكومة التركية وتركيبتها له دور مهم في شكل العلاقة القادمة، في ظل عدم استفراد حزب العدالة والتنمية التركي في الحكومة والقرار التركي. الشعب التركي قال كلمته في الانتخابات الأخيرة، ولكن الشعوب العربية ما زالت مغيَّبة عن قول كلمتها، في ظل استمرار الأنظمة الاستبدادية في الاستفراد في الحكم والقرار العربي على الجملة، وفي ظل تدهور مآلات الانتفاضة الشعبية إلى حروب أهلية وفوضى عارمة لا تعرف نتيجتها بعد. من المبكر التنبؤ بمعالم العلاقة التركية العربية، التي كان من المتوقع إنشاء تحالف سعودي- تركي يشكل نواة لقوة سنيّة قادرة على إنشاء توازن سياسي مقابل القوتين الإقليميتين الأكثر تأثيراً في صياغة المنطقة المتمثلة بإسرائيل وإيران، مع التشابك الحتمي بالنفوذ الأمريكي والروسي، في محاولة رسم الخريطة الدولية التي يجري إعدادها على نار هادئة في ظل التغيرات الكبيرة التي تنبىء بها الأحداث الجارية على الجبهات العربية المشتعلة. الدستور