كلام في المواطنة
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 :
لقد دعيت لإلقاء محاضرة عن المواطنة في ظل الاستقلال في مستشفى الإسراء في موسمه الثقافي السنوي، ولقد كانت المحاضرة مناسبة لإعادة التذكير بمجموعة قضايا تستحق المراجعة الجماعية تتعلق بمعاني المواطنة ومضامينها الحقيقية، وكيف نعمل على ترسيخ معاييرها السليمة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها منطقتنا العربية.
المواطنة في جوهرها مشتقة من الوطن، وأصبحت تأخذ أبعاداً سياسية وقانونية بدلاً من الجنسية التي تعرف بأنها رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، ولكن الاستعمال العرفي الشائع للمواطنة جعلها في مرتبة تسمو على عملية التجنيس، حيث أن روح المواطنة تتمثل بالانتماء للأرض والمكان، وهو أمر مركوز في نفوس البشر، وهو أقوى من الارتباط السياسي بالسلطة، وأقوى من مجرد وثيقة أو جواز سفر.
المواطنة بالرغم من اعتمادها على الانتماء الفطري والعلاقة الوثيقة بين الإنسان والتراب، إلّا أنها تحتاج إلى عناية ورعاية وصيانة حتى تؤتي ثمارها المطلوبة على صعيد الإنجاز والانتاج، فلا بد من أن تقترن صفة المواطنة بإعلاء شأن الحرية، لأن الحرية قسيم الإنسانية، والحرية تولد مع الإنسان ولا تكتسب اكتسابا، لأن الخالق جلّ وعلا شاء أن يخلق الإنسان حراً وجعله مطلق الإرادة وأراده كذلك، حيث أن الحرية تعد متطلباً ضرورياً للقيام بمهام الخلافة في الأرض وإعمار الكون وحمل رسالة الخير، وآداء الأمانة المتعلقة بالعناية بالمخلوقات، وعندما يكون الإنسان مقهوراً مشلول الإرادة سوف يكون عاجزاً عن تحمل مسؤولياته الجسام.
الأمر الآخر أن المواطنة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكرامة الآدمية، التي جعلها الله للإنسان بوصفه الآدمي، دون تمييز قائم على العرق أو اللون أو الجنس أو العمر أو الدين والإيمان؛ حيث قال تعالى : « ولقد كرمنا بني آدم» مما يحتم على أصحاب السلطة أن يدركوا أن وظيفتهم الأولى تتمثل بحفظ كرامة المواطن، وصيانة حريته وحمايتها من الاعتداء والانتقاص، ولا يملك صاحب السلطة الانتقاص من حرية الإنسان السوي، لأن الحرية منحة من الخالق، وليست منحة من الحكومة أو صاحب السلطة.
المواطنة تؤتي ثمارها المرجوة في ظل العدالة، التي يجب توفيرها لكل مواطني الدولة بلا استثناء، بحيث يتم إرساء معايير المساواة في أصل الخلقة والتكريم، وأمام القانون والقضاء، وفي تولي الوظائف والتمتع بمبدأ تكافؤ الفرص، وفي مجمل الحقوق والواجبات على وجه العموم.
لكن ما يجب التركيز عليه بقوة، أن المواطنة واجب وحق في وقت واحد، وهي انتماء عميق ليس مرتبطاً بمكاسب مادية أو معنوية، ولذلك فإن تعرض المواطن للظلم والقهر أحيانا لا يسوّغ له الانتقاص من حس المواطنة أو التنكر للوطن، بل يجب أن يشكل له حافزاً نحو امتلاك القدرة الجمعية على إزالة كل عوامل الظلم والقهر، وإرساء معايير العدالة.
الأمر الآخر الأشد أهمية أن المواطنة لا تعني المحاصصة، لأن المحاصصة تمثل طريقاً للفوضى في المجتمعات، وإثارة النعرات بين المكونات الاجتماعية، وتعمل على زيادة منسوب التوتر بين الفئات والتجمعات البشرية، وخير دليل على ذلك ما يحدث في دول الجوار، وعلى العقلاء أن يدركوا تماماً أن المجتمع العراقي تفتت بفعل منهج المحاصصة التي أدت إلى إيجاد خنادق الدم والتعصب بين مكونات الشعب الواحد، وهذا ما حدث في لبنان، ويحدث في سوريا وفي اليمن، ولذلك يجب الانتباه إلى مقولات بعض قصار النظر الذين يدفعون الوطن نحو الانزلاق إلى عتبة المحاصصة المرفوضة، وكل من يثيرها تنقصه روح المواطنة الحقيقية.
المطلوب في ظل الاستقلال أن نعمل على تمتين النسيج الاجتماعي ونعزز أواصر الوحدة من خلال الإجابة على سؤال كبير ومهم لكل واحد فينا : ما ذا قدمت لوطنك؟ أو ماذا تستطيع أن تقدم للوطن من خلال تخصصك وقدراتك؟ وما هو دورك الذي تتميز به وتشعر بالفخر ازاءه؟ إن الإجابة على هذا السؤال تعني المواطنة بمضمونها الجلي.
الدستور
لقد دعيت لإلقاء محاضرة عن المواطنة في ظل الاستقلال في مستشفى الإسراء في موسمه الثقافي السنوي، ولقد كانت المحاضرة مناسبة لإعادة التذكير بمجموعة قضايا تستحق المراجعة الجماعية تتعلق بمعاني المواطنة ومضامينها الحقيقية، وكيف نعمل على ترسيخ معاييرها السليمة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها منطقتنا العربية.
المواطنة في جوهرها مشتقة من الوطن، وأصبحت تأخذ أبعاداً سياسية وقانونية بدلاً من الجنسية التي تعرف بأنها رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، ولكن الاستعمال العرفي الشائع للمواطنة جعلها في مرتبة تسمو على عملية التجنيس، حيث أن روح المواطنة تتمثل بالانتماء للأرض والمكان، وهو أمر مركوز في نفوس البشر، وهو أقوى من الارتباط السياسي بالسلطة، وأقوى من مجرد وثيقة أو جواز سفر.
المواطنة بالرغم من اعتمادها على الانتماء الفطري والعلاقة الوثيقة بين الإنسان والتراب، إلّا أنها تحتاج إلى عناية ورعاية وصيانة حتى تؤتي ثمارها المطلوبة على صعيد الإنجاز والانتاج، فلا بد من أن تقترن صفة المواطنة بإعلاء شأن الحرية، لأن الحرية قسيم الإنسانية، والحرية تولد مع الإنسان ولا تكتسب اكتسابا، لأن الخالق جلّ وعلا شاء أن يخلق الإنسان حراً وجعله مطلق الإرادة وأراده كذلك، حيث أن الحرية تعد متطلباً ضرورياً للقيام بمهام الخلافة في الأرض وإعمار الكون وحمل رسالة الخير، وآداء الأمانة المتعلقة بالعناية بالمخلوقات، وعندما يكون الإنسان مقهوراً مشلول الإرادة سوف يكون عاجزاً عن تحمل مسؤولياته الجسام.
الأمر الآخر أن المواطنة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكرامة الآدمية، التي جعلها الله للإنسان بوصفه الآدمي، دون تمييز قائم على العرق أو اللون أو الجنس أو العمر أو الدين والإيمان؛ حيث قال تعالى : « ولقد كرمنا بني آدم» مما يحتم على أصحاب السلطة أن يدركوا أن وظيفتهم الأولى تتمثل بحفظ كرامة المواطن، وصيانة حريته وحمايتها من الاعتداء والانتقاص، ولا يملك صاحب السلطة الانتقاص من حرية الإنسان السوي، لأن الحرية منحة من الخالق، وليست منحة من الحكومة أو صاحب السلطة.
المواطنة تؤتي ثمارها المرجوة في ظل العدالة، التي يجب توفيرها لكل مواطني الدولة بلا استثناء، بحيث يتم إرساء معايير المساواة في أصل الخلقة والتكريم، وأمام القانون والقضاء، وفي تولي الوظائف والتمتع بمبدأ تكافؤ الفرص، وفي مجمل الحقوق والواجبات على وجه العموم.
لكن ما يجب التركيز عليه بقوة، أن المواطنة واجب وحق في وقت واحد، وهي انتماء عميق ليس مرتبطاً بمكاسب مادية أو معنوية، ولذلك فإن تعرض المواطن للظلم والقهر أحيانا لا يسوّغ له الانتقاص من حس المواطنة أو التنكر للوطن، بل يجب أن يشكل له حافزاً نحو امتلاك القدرة الجمعية على إزالة كل عوامل الظلم والقهر، وإرساء معايير العدالة.
الأمر الآخر الأشد أهمية أن المواطنة لا تعني المحاصصة، لأن المحاصصة تمثل طريقاً للفوضى في المجتمعات، وإثارة النعرات بين المكونات الاجتماعية، وتعمل على زيادة منسوب التوتر بين الفئات والتجمعات البشرية، وخير دليل على ذلك ما يحدث في دول الجوار، وعلى العقلاء أن يدركوا تماماً أن المجتمع العراقي تفتت بفعل منهج المحاصصة التي أدت إلى إيجاد خنادق الدم والتعصب بين مكونات الشعب الواحد، وهذا ما حدث في لبنان، ويحدث في سوريا وفي اليمن، ولذلك يجب الانتباه إلى مقولات بعض قصار النظر الذين يدفعون الوطن نحو الانزلاق إلى عتبة المحاصصة المرفوضة، وكل من يثيرها تنقصه روح المواطنة الحقيقية.
المطلوب في ظل الاستقلال أن نعمل على تمتين النسيج الاجتماعي ونعزز أواصر الوحدة من خلال الإجابة على سؤال كبير ومهم لكل واحد فينا : ما ذا قدمت لوطنك؟ أو ماذا تستطيع أن تقدم للوطن من خلال تخصصك وقدراتك؟ وما هو دورك الذي تتميز به وتشعر بالفخر ازاءه؟ إن الإجابة على هذا السؤال تعني المواطنة بمضمونها الجلي.
الدستور