من يرتب الأوراق؟
لسبب أو لآخر، تعطلت عجلة الإصلاح السياسي في المملكة. ونجد أيضا أن دولاب برنامج التصحيح الاقتصادي لن يدور كما هو مبرمج له، في ظل حالة الاستعصاء السياسي، والجو الرافض لخطط الحكومة الاقتصادية.
ولن تتمكن الحكومة (أي حكومة) من تطبيق البرنامج الاقتصادي. وتتعقد المسألة أكثر في ظل التزام الأردن مع صندوق النقد الدولي بخطوات متوالية من إجراءات رفع الأسعار، والتي لا يبدو أن الوضع الداخلي سيسمح بتطبيقها، نتيجة تراكم أسباب الاحتقان الداخلية، بدءا من الوضع السياسي المختنق، وليس انتهاء بالأحوال الاقتصادية والمالية والمعيشية السيئة.
البرنامج الذي وضع بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي في غاية القسوة، وارتفاعات الأسعار ستطال سلعا وخدمات كثيرة، وأظن أن مزاج المجتمع رافض لأي زيادة حتى لو كانت قليلة ومحدودة.
حكومة فايز الطراونة التي أقرت البرنامج ظلت تشعر بالرضا التام عن المهمة التي قامت بها حتى بدأت ردود الأفعال تتوالى. إذ لا يتوفر للحكومة، بتركيبتها الحالية، أي مسببات أو حواجز تحول دون التطبيق، مهما كان الموقف الشعبي من البرنامج برمته، وهذا ما دفعها إلى اتخاذ قرار زيادة الأسعار يوم الجمعة الماضي بعيدا عن البعدين السياسي والأمني.
وهنا يكمن الخطر ويضعف الرهان على قدرة الأردن على الالتزام بهذا البرنامج أمام المؤسسات الدولية، من صندوق وبنك دوليين، حفاظا على الاستقرار النقدي والمالي.
الخطأ في تقدير خطورة القرار ظهر مباشرة حينما خرج الناس إلى الشارع محتجين بأساليب جديدة، ابتكرتها شرائح لم تعتد المسيرات، وعلى رأسها سائقو التاكسي.
ردود الفعل فاقت حسابات الحكومة والمراقبين والتقارير الأمنية أيضا، الأمر الذي يكشف عجزا عن التنبؤ بتصرفات الشارع الذي يعاني شعورا بالقهر والغضب، وضعفا في قراءة المزاج الشعبي.
المسألة أكثر تعقيدا مما يعتقد البعض؛ فصدمة المطلين على الوضع المالي للخزينة كانت كبيرة بعد إلغاء القرار، خصوصا وأن ما يتأتى من إيرادات محلية لا يكفي لتغطية النفقات الأساسية من رواتب وأقساط دين، إذ تقدر الموارد المحلية الشهرية بحوالي 300 مليون دينار، فيما تصل فاتورة الرواتب لحوالي 400 مليون دينار شهريا.
لحظة الفصل ظهرت بين تصعيد كان يمكن أن يصل إلى حدود مجهولة، وبين امتصاص للغضب كان بقرار الملك تجميد قرار رفع الأسعار؛ إذ بعث القرار أكثر من رسالة وفي اتجاهات مختلفة، وأدى هذا القرار الملكي أكثر من مهمة، أهمها امتصاص تبعات أزمة سياسية داخلية كانت تلوح في الأفق.
الأهم في الموضوع هو أن الأزمة السياسية التي أطلت برأسها عقب رفع الأسعار كانت بمثابة رسالة إلى الدول المانحة، وتحديدا السعودية التي لم تقدم بعد المنح التي وعدت بها، ورصدت لها مخصصات في الموازنة قيمتها 700 مليون دينار لم يتسلم منها الأردن فلسا واحدا، ما ضاعف من أزمته الداخلية.
والمفترض أن الأردن واستقراره مهم لهذه الدول، واهتزاز الوضع الداخلي الأردني ليس بالمسألة السهلة أو الهامشية لها ولو مصلحيا، بل هي مسألة في غاية الحساسية، فلماذا التأخر في إرسال المساعدات، والتعامل غير الودود مع الأردن؟ فعدم التحرك من قبل هذه الدول، وفي ظل المعطيات الداخلية، لن يأتي بخير على الجميع.
بالمحصلة، لن تستطيع الحكومة الوفاء بالتزاماتها تجاه صندوق النقد بعد قرار تجميد زيادة الأسعار، الأمر الذي يتطلب البحث عن مصادر أخرى للموارد، أهمها تسريع إقرار قانون ضريبة يحقق هذه الغاية، وإعادة النظر في جميع رسوم التعدين، وضبط النفقات، إذ ما نزال نسمع الكثير عن نفقات حكومية تكشف أن بعض الوزراء المسؤولين ما يزالون يهدرون المال.
والعودة عن قرار التجميد للمضي في البرنامج يحتاج إلى توافق سياسي، تجتمع فيه المعارضة والقوى الشعبية، بحيث تكشف أمامها الأرقام بكل شفافية لتطل على الوضع المالي وتؤمن بعد أن تصبح شريكة في القرار بأن الوضع يتطلب فعلا خطة طوارئ لإخراج البلد من الأزمة، فمن يرتب الأوراق؟
(الغد)