2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

خطيب الجمعة والتطرف بالدعاء

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : يوم الجمعة يعد عيداً أسبوعياً للمسلمين، وعيداً للأمة والمجتمع كله، وعيداً للعائلة والأفراد، يجتمعون فيه وقد نظفوا أجسادهم وطهروا انفسهم وقلوبهم وجددوا أرواحهم، ولبسوا أحسن ثيابهم، وتعطروا بأحسن الروائح، وذهبوا مبكرين ليجتمعوا في المسجد الجامع، ليسمعوا كلمة جامعة تحل مشاكلهم وترطب قلوبهم، وتزيد أواصر المحبة بينهم، وتزيل ما علق بقلوبهم من كدر الدنيا وشوائب التنافس على حطامها، وتغذي أرواحهم بجميل الذكر وكلام أحسن الخلق، وحكايات الصالحين، ويسلم بعضهم على بعض، ويتفقدون ذوي الحاجات فيما بينهم، ويصلون أرحامهم، وينشرون الابتسامة والبشاشة والفرح في الشوارع والطرقات، ويتعاهدون على حسن الاخوّة ورقي التعامل.
خطيب الجمعة يجب أن يدرك هذه الأهداف والغايات، وأن يدرك هذه المعاني، عندما يختار موضوع الخطبة ويختار الكلمات والألفاظ والمعاني ونبرة الصوت وطريقة الأداء، حتى تكون خطبته عاملاً من عوامل البناء والاتمام للأخلاق؛ عن طريق ترقيق القلوب ومخاطبة الأرواح، وعليه أن يبتعد عن الفظاظة بالوعظ، والغلاظة بالقول، وعليه تجنب الصراخ وعلو الصوت والابتعاد عن اسلوب التقريع والسخرية والهمز واللمز، وأن يلتزم جانب اللين والتواضع وخفض الجناح ليكون قدوة لجمهور المصلين.
الخطيب ينبغي أن يعلم أن خطبته تصل إلى كل بيوت الجوار ويستمع إليه المسلم وغير المسلم، مما يحمل الخطيب مسؤولية عظمى باتباع واجب التبشير وحسن الدعوة لكل من يسمعه، وقد تهيأت له الفرصة لمخاطبة هذا الجمهور الكبير من الناس، الذين يتفاوتون في الثقافة والفكر والتدين والسن والبيئة والصحة والمرض والقدرات والمواهب، حتى يقع كلامه في قلوب السامعين موقفاً حسناً.
هناك مشكلة تتكرر لدى خطبائنا في موضوع الدعاء على وجه الخصوص، حيث أن بعضهم يغلط بالدعاء ويلجأ إلى غلظة وقسوة، وتعسف غير مبرر وغير مشروع؛ لم يأت به شرع ولا سنّة، خاصة فيما يتعلق بالدعاء على «اليهود والنصارى» وأن يجعلهم هم وأتباعهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.
أعتقد ان هذا الدعاء مخالف لمقاصد الإسلام وأدلته وأصوله، ومخالف لقواعد الدعوة وأصول الوعظ، ومخالف للمنطق والعقل أيضاً، ويحمل قسطاً وافراً من الظلم والعدوان من عدة وجوه.
أولاً : من المعلوم قطعاً في الدين أن الله يطلب من المسلم أن يعظ و يدعُو بالحسنى والحكمة، دون غلظة ودون قهر أو إكراه، فهذا محرّم شرعاً بدليل قوله تعالى : «لا إكراه في الدين» وقوله تعالى : «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»
ثانياً : المسيحيون مواطنون كاملو المواطنة مع إخوانهم المسلمين في وطن ومجتمع واحد، وحياة واحدة مشتركة، فلهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما على المسلمين من واجبات ومسؤولية، فيحرم إيذاؤهم، ويحرم الاعتداء عليهم أو الانتقاص من حقوقهم قولاً وفعلاً، ظاهراً وباطناً.
ثالثاً: هذا الأسلوب من الدعاء يؤدي إلى تنفيرهم والإساءة إليهم، مما يؤكد أن ذلك ليس من الدعوة في شيء، ولا يخدم الإسلام ولا المسلمين، ولا يؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية، ولا تعزيز الأواصر الاجتماعية بين المواطنين، بل يؤدي قطعاً الى إثارة الكراهية والبغضاء في المجتمع ويشعل التعصب المفضي إلى الفتنة، وهذا منهي عنه شرعاً على سبيل القطع والالزام.
رابعاً : الدعاء يكون على الأعداء المحاربين الذين يحملون السلاح ويقتلون الأنفس ويسفكون الدماء، ويحتلون الأرض والأموال، فيجب عدم الخلط، قال تعال : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }.
إن الله يحب الرفق في الأمور كلها، وما كان الرفق في شيء إلّا زانه، وما نزع من شيء إلّا شانه، صدق رسول الله الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويحسن بناء الإنسان، ويصون كرامة الآدمي، ويحفظ حريات البشر، بحسن الخلق وحسن الكلمة وحسن التعامل وحسن الأداء وحسن القضاء.
لقد ورد في السيرة أن الرسول أخذ يدعو على أعدائه من مشركي قريش ويلعنهم في الصلاة، فنهاه الله عن ذلك وأنزل عليه (ليس لك من الأمر شيء) و(ليس عليك هداهم) و(إنما عليك البلاغ)، فلا يظن خطيب الجمعة أنه أحرص من الله ورسوله على دين الله.الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير