jo24_banner
jo24_banner

أزمة التعليم العالي

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : تفجرت في الآونة الأخيرة مجموعة من الأزمات المتلاحقة في ملف التعليم العالي، سواء فيما يتعلق بمعدلات القبول، أو فيما يتعلق بالمقاعد الجامعية للأقل حظاً والمكرمات، التي تنطوي على جانب من الحساسية والتأثير الكبير الذي يمس شريحة واسعة من المواطنين، وكذلك فيما يتعلق بمسألة إقالة أعضاء مجلس التعليم العالي؛ الذين لم يمض على تعيينهم سوى سبعة أشهر، وترافق ذلك مع إصدار قرارات تعيين رؤساء بعض الجامعات، الذي أثار ضجة إعلامية ما زالت مستمرة.

أزمة التعليم العالي في جوهرها وحقيقتها متفرعة عن أزمة كبيرة أخرى ومشكلة أكثر تعقيداً، تتعلق بتوحيد فلسفة التعليم الشاملة على مستوى الدولة، وتوحيد رؤية التعليم العالي وترسيخ المنهجية المؤسسية لهذا القطاع الحيوي والمهم، الذي يتولى تشكيل العقل الجمعي، وتشكيل وجه الدولة القادم، فليس معقولاً أن يبقى ملف التعليم العالي خاضعاً لمزاج وزير قادم أو ذاهب، وليس معقولاً أن تكون القرارات المصيرية خاضعة لصراع خفي بين القطاع العام والقطاع الخاص، أو ثمرة لصراعات أخرى خفية وغير منظورة.

ملف التعليم العالي ينطوي على قدر كبير من الخطورة والحساسية البالغة، ولا يخلو من صبغة سياسية معقدة، مما يجعل إدارة هذا الملف تحتاج إلى قدر كبير من الحكمة والتأني، وضرورة التوجه التدريجي نحو المؤسسية و استقرار المعايير العلمية والموضوعية العادلة التي تحكم سياسات التعيين، وسياسات القبول الموّحد، مع مراعات الظروف التنموية والقرارات الفردية بين المحافظات والألوية والمناطق، والبعد والقرب من الخدمات الحكومية.

مجلس التعليم العالي ينبغي أن يكون مؤسسة مركزية مستقرة، وتخضع عملية تعيين الأعضاء فيه إلى مسطرة واضحة من المعايير والتقاليد العلمية الراسخة، ولا يرتبط ذلك بمقدم الوزير ومغادرته، ولا أثر لعلاقة الوزير الشخصية بأعضاء المجلس، لأن العاملين في هذا القطاع ومن يحظى بشرف العضوية في مثل هذه المجالس هم من أصحاب الشهادات والدرجات العلمية المتقدمة، ومن أصحاب المؤهلات المرموقة، والمكانة الشخصية المتميزة، مما يستوجب أن يتم معاملتهم وفقاً لأعلى درجات التحضر والتكريم.

نحن بحاجة إلى توحيد رؤية الدولة ورسالتها وفلسفتها في كل المجالات الحيوية، وبحاجة إلى إرساء الأعراف والمعايير المستقلة التي تحكم عمل المؤسسات العامة، بحيث يقل أثر المزاجية الفردية والعلاقات الشخصية في إدارة المصالح العامة، وفي الوقت نفسه نحن بحاجة أيضاً إلى القيادات الكبيرة صاحبة الرؤية والنظر الاستراتيجي بعيد المدى؛ الذين يكون لهم أثر واضح وجلي في تطوير العمل وتحسينه ونقله نحو آفاق تقدمية على الصعيد العام، ولكن ذلك يجب أن يكون من خلال الأطر المؤسسية الفاعلة والمعاونين الذين يتم اختيارهم بعناية.

موضوع المقاعد الجامعية للمناطق الأقل حظاً، يجب أن تخضع إلى عملية تنظيمية معيارية منسقة ومتوازنة، تراعي المسألة التنموية، وفي الوقت نفسه لا بد من نفي الفوضى والارتجالية والمحسوبية التي تعد جزءاً من الفساد، وتخل بالعدالة بطريقة صارخة، ولذلك لا بد من توزيع المقاعد المخصصة على المحافظات والألوية ضمن دائرة التنافس العادل بين أبناء المنطقة الواحدة، دون إخلال بمبدأ التنافس والسياق العادل الذي يعد ضرورة حتمية لاستنهاض العقل الجمعي.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير