مجنون يريد زعامة العالم العربي
حمزة العكايلة
جو 24 : في عمّان كما في أغلب العواصم العربية، تبدو ظاهرة المجانين في تزايد، وعلى مستويات مختلفة.
أحدهم، وأظنه يدعي الجنون، قال إنه سيتزعم الدول العربية كاملة، وأن عاصمته ستكون السودان، لماذا السودان حتى اللحظة لا أعرف، ونسيت أن أسأله أتقصد السودان قبل الإنفصال أم بعد.
هو رجل على مشارف الخمسين وشكله يوحي بأنه يتمتع بكاريزما قوية، وجهه طويل وشعره أطول وغزاه الشيب، لكنه يمتاز بالنعومة وتشتم منه رائحة الزيت البلدي، وأظنه يستخدمه مثل "جل الشعر"، فكه العلوي مليء بالأسنان والسفلي بسنين فقط. يرتدي بدلة دون ربطة عنق، وتفوح منه رائحة عطر جميل لكنه قوي يزكم الأنف، ويحمل حقيبة بالية تتوسط خاصرته، ودفتر ملاحظات صغير غير مسطر وقلم رصاص.
استوقفني الرجل بينما كنت في طريقي إلى مكتبة خزانة الجاحظ، حيث كانت الساعة تقارب التاسعة والنصف ليلاً، وطلب مني سيجارة، شريطة أن أسمعه وأجلس معه،.. غريب أمره يطلب سيجارة بشرط.
استجبت لطلبه واستهل حديثه قائلا: إنه يشعر بهارموني يجمعني به، وكان يلفظها بدقة متناهية باللغة الإنجليزية، وهي تعني في علم الموسيقى "تناغم اللحن وانسجامه".
كان يقاطعني كلما هممت بالرد عليه، ويقول لي: استغل وجودك معي فقط وأنصت، وسيأتي يوم تفاخر به أنك جلست مع زعيم الأمة".
قلت له: أي أمة؟، قال: أمة العرب وسأعيد الهارموني فيها من السودان، حيث ستكون عاصمة أحلامي، وبدأ يغني وسط نظرات الغرابة من المارة
أنا يا عصفورة ..أتوق للمقصورة
تعالي وأرقصي..فالحبوب منثورة
وفجأة توقف، وانحنى موشوشا "سأغزو أفريقا، وأوروبا".
"حتى المجنون يتحدث عن الغزو"
نهضت من مكان جلوسي على الرصيف المحاذي لأحد المطاعم قرب شارع الملك فيصل، ونفضت ملابسي، وقلت له أنا مضطر للمغادرة، كنت أحدثه بلباقة فلم أشعر للحظه أنه يستحق أن يُزجر، فقد كان يتحدث على الأقل بهدوء، كما أن طلاقة لسانه وانسياب الأحرف على لسانه، أبهرتني.
قال بالفصحى: بإمكانك الانصراف.
ضحكت: وسألته، صحيح؛ ما اسمك؟
شعر بالخوف: وقال بتردد: عصفور.
ثم طلب مني دينارا ليكمل ثمن علبة سجائره.
توجهت لصديقي أبو ساهر في خزانة الجاحظ وكانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف، تناولت من رفوفه كتاب "الأبله" لعملاق الأدب الروسي دوستويفسكي.
تحدثت لأكثر من نصف ساعة معه عن ظاهرة المجانين، ولم نصل لنتيجة، سوى أنها قصص "حديدوان" وهي خرافة عن رجل كان يعيش في الجنوب.
بطريقي للسيارة عائداً لمنزلي وجدت الزعيم المنتظر نائماً بزاوية أحد المباني ووسادته حقيبته، وبجانبه علبة سجائر، ويديه في جيبه، وأدركت أن كلامه في الليل سيمحوه النهار، وسيستيقظ على حرارة الشمس، أو زجرة من موظف البلدية.
أحدهم، وأظنه يدعي الجنون، قال إنه سيتزعم الدول العربية كاملة، وأن عاصمته ستكون السودان، لماذا السودان حتى اللحظة لا أعرف، ونسيت أن أسأله أتقصد السودان قبل الإنفصال أم بعد.
هو رجل على مشارف الخمسين وشكله يوحي بأنه يتمتع بكاريزما قوية، وجهه طويل وشعره أطول وغزاه الشيب، لكنه يمتاز بالنعومة وتشتم منه رائحة الزيت البلدي، وأظنه يستخدمه مثل "جل الشعر"، فكه العلوي مليء بالأسنان والسفلي بسنين فقط. يرتدي بدلة دون ربطة عنق، وتفوح منه رائحة عطر جميل لكنه قوي يزكم الأنف، ويحمل حقيبة بالية تتوسط خاصرته، ودفتر ملاحظات صغير غير مسطر وقلم رصاص.
استوقفني الرجل بينما كنت في طريقي إلى مكتبة خزانة الجاحظ، حيث كانت الساعة تقارب التاسعة والنصف ليلاً، وطلب مني سيجارة، شريطة أن أسمعه وأجلس معه،.. غريب أمره يطلب سيجارة بشرط.
استجبت لطلبه واستهل حديثه قائلا: إنه يشعر بهارموني يجمعني به، وكان يلفظها بدقة متناهية باللغة الإنجليزية، وهي تعني في علم الموسيقى "تناغم اللحن وانسجامه".
كان يقاطعني كلما هممت بالرد عليه، ويقول لي: استغل وجودك معي فقط وأنصت، وسيأتي يوم تفاخر به أنك جلست مع زعيم الأمة".
قلت له: أي أمة؟، قال: أمة العرب وسأعيد الهارموني فيها من السودان، حيث ستكون عاصمة أحلامي، وبدأ يغني وسط نظرات الغرابة من المارة
أنا يا عصفورة ..أتوق للمقصورة
تعالي وأرقصي..فالحبوب منثورة
وفجأة توقف، وانحنى موشوشا "سأغزو أفريقا، وأوروبا".
"حتى المجنون يتحدث عن الغزو"
نهضت من مكان جلوسي على الرصيف المحاذي لأحد المطاعم قرب شارع الملك فيصل، ونفضت ملابسي، وقلت له أنا مضطر للمغادرة، كنت أحدثه بلباقة فلم أشعر للحظه أنه يستحق أن يُزجر، فقد كان يتحدث على الأقل بهدوء، كما أن طلاقة لسانه وانسياب الأحرف على لسانه، أبهرتني.
قال بالفصحى: بإمكانك الانصراف.
ضحكت: وسألته، صحيح؛ ما اسمك؟
شعر بالخوف: وقال بتردد: عصفور.
ثم طلب مني دينارا ليكمل ثمن علبة سجائره.
توجهت لصديقي أبو ساهر في خزانة الجاحظ وكانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف، تناولت من رفوفه كتاب "الأبله" لعملاق الأدب الروسي دوستويفسكي.
تحدثت لأكثر من نصف ساعة معه عن ظاهرة المجانين، ولم نصل لنتيجة، سوى أنها قصص "حديدوان" وهي خرافة عن رجل كان يعيش في الجنوب.
بطريقي للسيارة عائداً لمنزلي وجدت الزعيم المنتظر نائماً بزاوية أحد المباني ووسادته حقيبته، وبجانبه علبة سجائر، ويديه في جيبه، وأدركت أن كلامه في الليل سيمحوه النهار، وسيستيقظ على حرارة الشمس، أو زجرة من موظف البلدية.