الحسن يعيد ترتيب الخطاب التقليدي لتصدير الأزمة
تامر خرمه- أبدى الأمير الحسن بن طلال استغرابه من قيام الأردن بشراء أسلحة بقيمة 12 مليار دولار منذ توقيع اتفاقية وادي عربة مع "اسرائيل" متسائلا عن جدوى شراء هذه الكمية من الأسلحة.
الأمير تناغم عبر هذه التصريحات مع الطرح الذي ردده الكثيرون من النخب السياسية، حول أسباب ودواعي الإنفاق العسكري الهائل الذي يستهلك أكثر من ثلث موازنة المملكة، لا سيما بعد الإعلان الصريح عن إنهاء حالة العداء مع "اسرائيل" عبر معاهدةٍ حرص الغرب على إبرامها، حفاظا على استقرار المنطقة، لحماية المصالح الدولية في الشرق الأوسط.
ونوه الامير في تصريحاته التي صدرت عنه أثناء تواجده في حيّ الطفايلة بعمان إلى أن أراضي الضفة الغربية تم احتلالها في الوقت الذي كان تتبع فيه للسيادة الأردنية، حيث اعتبر المراقبون تصريحات الأمير في هذا الصدد بمثابة رسائل تهدف للإشارة إلى الدور الإقليمي الهام الذي يلعبه الأردن في المنطقة، لا سيما في ظل التغيرات الدراماتيكية التي تجتاح الإقليم.
وفي رسالة مباشرة إلى السلطة الفلسطينية في رام الله وإلى صناع القرار في الأردن على حد سواء، قال الأمير إن الضفة الشرقية تعد الرئة التي يتنفس منها مشروع الدولة الفلسطينية المستقبلية، في سياق ما يمكن اعتباره محاولة لإعادة العلاقات الفلسطينية الأردنية إلى نصابها وفق ما كان الأمر عليه قبل إعلان فك الارتباط.
هذا التصريحات التي ندت عن الأمير الحسن، مسلطا فيها الضوء على البعد الاستراتيجي لعلاقات المملكة الخارجية جاءت في وقت عصيب تشهده البلاد، إثر تفاقم الأزمة الداخلية على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الأمر الذي يقود إلى اعتبار تصريحات الأمير محاولة للربط بين مختلف تقلبات الطقس السياسي على المستويين المحلي والإقليمي، للخروج برؤية شمولية، تمكن للحرس القديم الذي تبوأ مراكز حسم القرار في الآونة الأخيرة، أن يستنير بها لرسم سياساته على المدى المنظور.
ولا يخفى على أحد أن زيارة الامير المفاجئة إلى حيّ الطفايلة في هذا الوقت بالتحديد، تحمل عدة رسائل سياسية، حيث يسعى الحسن لاعتراض الحراك المطلبي الأردني عبر تسليط الضوء على الخطر الإقليمي، في محاولة غير مباشرة لضمان عدم مشاركة كتلة أساسية من المجتمع في الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح والتغيير.
كما تحمل زيارة الحسن رسالة لنشطاء الحرك مفادها أن أولوية المرحلة تقتضي التركيز على البعد الإقليمي للتطورات السياسية دون محاولة تطوير الاوضاع على الساحة المحلية، وهذا ما يتضح عبر دعوته للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة رغم عدم توافر أدنى متطلبات الارتقاء بالحياة السياسية، حيث تصر السلطة على التمسك بقانون الصوت الواحد رغم نتائجه الكارثية التي انعكست سلبا على المشهد السياسي الأردني.
قد تكون لدى الأمير معلومات خاصة حملته على الإدلاء بمثل هذه التصريحات في هذا الوقت بالتحديد، ولكن أيا كانت هذه المعلومات فإنها لن تقنع الشعب الأردني بالتخلي عن مطالبة المشروعة باجتثاث الفساد واستعادة مقدرات الدولة التي تمت التضحية بها لحساب فئة لا تمثل أية شريحة اجتماعية، كما يتوهم البعض، غير أن محاولات الحرس القديم لحماية الليبراليين الجدد تعيد مسألة الصراع إلى بعدها الحقيقي، الذي يعكسه تناقض مصالح أغنياء الأردن مع فقرائه، والذي لا يمكن لأية اعتبارات أخرى حرفه عن مساره الطبيعي.
"أية بوصلة لا تشير إلى فلسطين هي بوصلة مشبوهة"، شعار رفعه الكثيرون، سواء في محاولة لتشتيت الصراع المحلي أو لإعادته إلى بعده القومي، غير ان الحقيقة الوحيدة التي يمكن الرهان عليها، هي استحالة هزيمة المشروع الصهيوني دون بناء أردن وطني ديمقراطي، يسترد فيه الشعب سلطته، ويحسم تناقضه الداخلي، قبل أن يوحد صفوفه في مواجهة المشروع التوسعي الذي تتهدد عبره الصهيونية المنطقة بأسرها، غير أن طرح الأخطار الخارجية في مواجهة التحديات التي تجتاح المشهد السياسي على المستوى المحلي لا يمكن اعتبارها سوى محاولة لحرف الأمور عن نصابها، وتشتيت الجهد لضرب الحراك الشعبي قبل أن ينتقل من حالته النخبوية.