لملم جراحك يا اوباما قبل الرحيل !
في أقل من أربعة وعشرين ساعة ، سقط وتمزق العلم الأمريكي في العاصمة المصرية – القاهرة – وداسته بالأقدام الجماهير الثائرة والغاضبة، وفي ذات الوقت ، قتل السفير الأمريكي وبعض الموظفين ، واحترقت القنصلية على أيدي الجماهير الغاضبة في بنغازي ثاني المدن الليبية بعد العاصمة طرابلس ، وفي تونس حاولت هذه الجماهير القيام بذات الفعل لكن قنابل الغازالتي أطلقتها قوات الشرطة حالت دون الإقتحام ، أما في المغرب فالتظاهر احتجاجاً و غضباً في محيط السفارة الأميركية لا يزال سيد الموقف ، وقد يأتي مع الغد المزيد من هذه الفعاليات.
بداية ، لا بد من التاكيد على أننا سنقع في مطب التفكير السطحي إذا ما سلمنا على أن السبب الوحيد وراء هذه الهبة يرتبط بحكاية فيلم سينمائي حمل إساءات لرسول الله عليه أطيب الصلاة والسلام ، هذه ليست أول مرة تحدث فيها الإساءة و التطاول على الإسلام ، والقرأن ، و المساجد و مأذنها ، و على النقاب و الحجاب ، فالأسباب إذا أعمق وأكثر، والتداخل الحاصل فيما بينها قد لا يساعد كثيراً كل الذين سيحاولون الوصول إلى تشخيص موضوعي في الوقت الذي لا تزال سخونة الضربة تفرض نفسها على كل ردود الأفعال الصادرة عن العاصمة واشنطن أولاً ، و مروراً بباقي العواصم ذات العلاقة.
الأخبار الواردة من مختلف وسائل الإعلام منشغلة بكون السفير مات إختناقا جراء الحريق وليس بواسطة رصاص المهاجمين ، و أنه قد تعرض للضرب المبرح كما يظهر من الصور التي نشرت له حتى اللحظة ، لا بأس ، فقد أدمنا واعتدنا على هذا النمط من التغطية المبرمجة المعد لها مسبقا ، و على الأخص عند تناول مواقف وسياسات الإدارة الأمريكية ، و لهذا السبب فلن نستغرب ذلك الحزن الظاهر على فضائية " الجزيرة " القطرية ، وحالة الذهول التي خيمت على مقدمين نشرات الأخبار وهم يتلعثمون في قراءة المادة التي وضعت بين أيديهم على عجالة فرضت نفسها جراء هذا الخبر الخطير.
أما نحن جماهيرهذا الوطن العربي فلا يهمنا أبدا موضوع الرصاص أو النيران التي إشتعلت ، فما يعنينا بالدرجة الأولى يكمن في ضرورة التأكيد على أن القاتل هي الولايات المتحدة ذاتها وإداراتها ومواقفها وسياساتها الإجرامية ، والقاتل هو حلف الناتو الذي يقوم بتنفيذ خطط ومؤامرات أعضاءه وفي مقدمتهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا ، وها قد جاء الوقت كي تشرب هذه الإدارات من ذات الكأس.
كلنا يعلم أن السفارات الأمريكية في غالبية الدول العربية ليست سوى قلاع محصنة بكل الوسائل وبكل ما هو حديث منها ، وعليه ، فلقد كان مجرد المرور من قربها يعامل كجريمة قد يقتل أويسجن فاعلها ، وهذا ما كان يطغى ويسود في حقبة ما قبل الربيع العربي ، ولنا أن نتخيل ماذا كان سيفعل نظام حسني مبارك وعصاباته وأجهزته لو كانوا اليوم موجودين ؟! ولنا أن نتخيل أيضا ماذا كان سيفعل العقيد الراحل ونظامه بحق الغاضبين والمحتجين ، وما هو العدد الذي كان سيقتل لو حاولت هذه الجماهير التفكير بالإقتراب من هذه القلاع في القاهرة وبنغازي وغيرها .
أما الآن فقد إختلفت الأوضاع ، فالجماهير الغاضبة إقتربت ، وتخطت الأسوار وإقتحمت الأوكار القابعة خلفها ، وأسقطت رايات الإجرام ، وحرقت وقتلت وسقط السفير كريس ستيفنيز وموظفيه ضحايا وقتلى وجرحي ومصابين ، ولم يعد على أوباما وإداراته إلا أن يلملموا جرحاهم ، ويدفنوا قتلاهم ،ولا بأس في أن يجتمعوا فوق جثثهم لتدارك الموقف ومراجعة الأسباب التي أدت لوقوع هذه الكارثة التي حلت بهم.
نحن شعوب المنطقة العربية ، أو الشرق الأوسط كما يحلو لكم تسميته يا سيادة الرئيس أوباما لا نحب القتل أبدا ، ودين الإسلام نابع بالدرجة الأولى من السلام الذي نتمنى أن يعم كل أرجاء هذه المعمورة ، أما أنت والذي سبقك ومن سيأتي بعدك إنتهاء ، فلستم سوى عشاق إجرام ، وقتل ونهب وسلب لكل الشعوب الفقيرة والمضطهدة ،وأنتم من نشر ووزع الإرهاب في كل العالم ، و أنتم من صنع تنظيمات و حركات التطرف و التشدد و مولها و أمدها بكل الإحتياجات.
هذه حقيقتكم ، أنتم مسؤولين عن كل هذه الكراهية و عن كل ما ينتج عنها من جرائم ، وهذه هي أفعال وممارسات الرأسمالية الإمبريالية التي تحتمي تحت مظلتها ، وهذه دماء أبرياء فلسطين المغتصبة والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان ستظل شاهدة إلى قيام الساعة على بطشكم وجبروتكم ، فذوقوا اليوم طعم اللحم المشوي والمحروق وإشربوا من كأس الدم الذي أسقيتمونا إياه على مدى عقود.
ختاما وحسب ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية ، حيث قالت أن الفيلم الذي كان وراء المظاهرات العنيفة المعادية للأمريكيين ، أخرجه وأنتجه " إسرائيلي " أمريكي يدعى سام بازيل وينحدر من جنوب كاليفورنيا ، وأضافت الصحيفة أن القس الأمريكي تيري جونز الذي أثار ضجة من خلال حرقه نسخا من المصحف الشريف في إبريل / نيسان الماضي قد دعم ومول الفيلم ، إذا ، هو الإصبع الصهيوني يا سيادة الرئيس أوباما ، فماذا عساك ستقول لشعبك في خطاب النعي الذي ستخرج به على شعب الولايات المتحدة ، سننتظر ، ولكن عليك أن تعلم بأن الجولات الأخطر لم تأتي بعد فالقادم أعظم وأسوأ حتى تعودوا إلى إنسانيتكم التي تخليتم عنها.
د.امديرس القادري