مخيم "قلنديا" غاضب
حدثتنا ولا تزال تحدثنا الأغنية الشعبية الوطنية التي أنتجها الشعب الفلسطيني المناضل عن شوارع المخيم التي تغص دائما بالصور ، وروت لنا عن الشهيد على أرض المخيم وكيف يتكلم حتى بعد خروج الروح وعودتها إلى باريها فينطق مع كلامه الحجر ، وطلبت هذه الأغنية من أهل المخيم بأن لا يلبسوا السواد حزناً ، فموت الشهيد ميلاد ، وناشدتهم أن لا يقبلوا العزاء في الشهداء ، فها هو ابن الشهيد قد جاء يعاهد بأن الوطن البعيد نحن فداه ، ومن يريد أن يُكرم الشهيد يتبع خُطاه .
الشعب القاطن داخل الشرق الفلسطيني في " الضفة الغربية " ومن داخل مخيم قلنديا ينتفض ، في حرب المواجهة ضد الجريمة الجديدة التي قام الصهاينة بارتكابها اليوم في أزقة المخيم ، الحصيلة ثلاثة شهداء ، روبين ويونس وجهاد حتى اللحظة ، وعشرات الإصابات بين شبان المخيم ، المجرمين الصهاينة من القوات الخاصة وبلباسهم المدني دخلوا المخيم بهدف إعادة إعتقال الأسير المحرر عمر الخطيب الذي أمضى عشر سنوات في سجون الإحتلال والذي لم يمض سوى شهر واحد على الإفراج عنه ، وهذا ما دفع بعشرات الشبان الأبطال إلى الإشتباك مع هذه القوة الجبانة ومحاصرتها داخل المخيم ، مما استدعى تدخل قطعان وخنازير الجيش لإنقاذ المحاصرين من عناصر قواتهم الخاصة فكانت المواجهة .
الشرارة من مخيم قلنديا أشعلت الحريق الذي سرعان ما امتدت نيرانه إلى العديد من المخيمات والقرى والمدن ، في القدس ، ومخيم العروب شمال الخليل ، ومن صانور جنين ، ومن مخيم عايدة شمال بيت لحم ، والبقية لا بد آتية على طريق النضال الطويل الذي سيبقى مفتوحا ومشرعا ، بعد أن فشلَ وخاب السلام الكاذب ، والمفاوضات العبثية المخزية في أن تحرف الشعب وشبانه الشجعان عن الخيار الذي لا مفر منه ومهما تكالب الصهاينة والمتواطئين معهم .
ولكن ، وفي الوقت الذي خرجت فيه جماهير شعبنا وبالالاف في عرس الشهداء وهم في طريقهم إلى مثواهم الأخيروسط الدعوات للأخذ بالثأر ، خرج علينا المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة باكياً و شاكياً ، ومتكرماً بتقديم تصريح الإدانة الفارغ الذي يحمل الصهاينة المسؤولية عن إرتكاب الجريمة ، والتي وحسب التصريح ستلحق الأذى بجهود السلام والمفاوضات ، ولم ينس سيادة المتحدث الرسمي أن يطالب الإدارة الأمريكية بالتدخل السريع لمنع إنهيار الجهود العظيمة التي بذلتها في الشهور القليلة الماضية !.
أما " فرسان " المفاوضات ، فالصدمة التي أحدثتها الجريمة كانت أقوى من أن تحتملها رؤوسهم الفارغة ، لذلك سارع البعض منهم إلى التأكيد على أن جلسة المفاوضات الثانية التي كان من المقرر لها أن تنعقد في مدينة أريحا قد ألغيت ، والبعض الآخر الذي أصابه الذهول ، ضاع بين إستخدام تعابير - التأجيل والتعليق - حتى لا يقطع الحبال مع الطرف الصهيوني ، ويفقد بالتالي خط الرجعة الذي رهن نفسه وباعها رخيصة وذليلة مقابل التعلق بحبال هذة المفاوضات العبثية والمشبوهة التي لن تعود على شعبنا وقضيتنا إلا بالمزيد من ضياع الحقوق ، والثوابت الوطنية وبكل ما فيها من قداسة .
إلى جانب ذلك ، جاءت زخات الشجب والإدانة والإستنكار من مختلف الفصائل التي راحت تتسابق وتتنافس على تسطير البيانات المنمقة والمزخرفة ، وبطبيعة الحال جاءت تصريحات القادةمن حركة – فتح – لتحتل المقدمة من كل ذلك ، وهذا ما عبر عنه عضواللجنة المركزية للحركة السيد عباس زكي ، الذي أكد على أن الرد الفلسطيني الفتحاوي على الجريمة سيكون قاسياً جداً ، وأن المفاجآت بهذا الصدد ستكون كثيرة ، وأن " القيادة الفلسطينية " لن تسمح بأن يكون الدم الفلسطيني مستباحا من قبل الإحتلال ، قال ذلك وهو يعلن نصب سرادق الحداد على أرواح الشهداء .
أقوى ردود الأفعال جاءت من مدينة رام الله عاصمة السلطة الوطنية ، فلقد تم الإعلان عن إلغاء " جلسات " تصوير الفتيات المشاركات في مسابقة إختيار ملكة جمال فلسطين ، وذلك بعد إعلان الحداد بفلسطين على أرواح شهداء مخيم قلنديا ، ودائما و على ذمة الخبرالعاجل المنقول على جناح الحمام الزاجل ، فقد ذكرت لنا وسائل الإعلام المختلفة نقلاً عن السيد صبحي حداد المشرف على المسابقة بأن مونيكا ، وتالا ، وكرين ، وسهام ، ورزان ، ومادونا ، وأخريات لن يحضرن جلسات التصوير الإختباري في فندق جراند بارك برام الله حزناً وشعوراً وتضامناً مع أرواح الشهداء!.
هنا يتجلى الفارق الوطني ، بين حياة المخيم الذي لم يتردد ، ولم يتوانى في يوم من الأيام عن إختيار الثورة والنضال نهجاً ودرباً ومنذ اللحظة الأولى التي مرت على إغتصاب فلسطين ونكبتها ، ففي المخيم لن تنعقد راية للتسابق إلا على الإستشهداد ، و على تقديم الدم الطاهر رخيصا من أجل ثرى الوطن الغالي ، وبين لحم المدن الرخيص والساقط والملوث الذي يتباهى أصحابه بالكشف عنه وإستعراضه في فنادق الخمسة نجوم ، ولذلك فإن جل مانطلبه ونرجوه من هذه الفئة المصابة بشتى أصناف الأوبئة هو أن لا تقترب من هذه القداسة التي تتوشح بها مخيماتنا .
نقول مخيماتنا لكل اؤلئك الذين سارعوا إلى ركوب الموجة ، والتسلق على أكتاف مجزرة المخيم ولحم شبانه المشوي الذين تصدوا بالصدور العارية لرصاص القتل والإجرام الصهيوني ، لكل هؤلاء نقول : ابتعدوا ، فغضب مخيماتنا المشتعل دائما هو في غنى عن فزعاتكم الفارغة والجوفاء ، نقول ذلك لكل زعران دايتون الذين تعج بهم الأجهزة الأمنية التي أقدمت وبعد أقل من أربعة وعشرين ساعة على ارتكاب ذات الفعل الإجرامي في مخيم عسكر حيث قتلت وبدم بارد الشاب أمجد عودة تحت ذريعة اعتقال أحد المطلوبين لهذه الأجهزة التي لم يعد لها من دور سوى السهر على أمن وسلامة عدونا الصهيوني .
انها ثورة الغضب الفلسطيني التي انتظرناها طويلاً ، انه العهد والوفاء الصادق الذي قطعته جماهير المخيم على نفسها ، وهاهو المخيم لا يُخلف وعده ، فثلاثة شهداء أبرار فقط أربكوا سلام ابومازن والخائب كبيرالمفاوضين صائب عريقات ، فهل هنالك ما هو أجمل من أن نستحظر خواطر قالها وكتبها بالدم اؤلئك الشهداء ، كتب الشهيد غسان كنفاني : في الوقت الذي كان يناضل فيه بعضُ الناس ، ويتفرج بعض آخر ، كان هناك بعضاً أخير يقوم بدور الخائن . صدق غسان ، وفجر المخيم غضبه ، فسقطت أوراق التوت عن عورات الخونة والمتفرجين ,