فلسطين بين جريمة النكبة وحق المنكوب !
قاصداً ومتعمداً ابتعدت عن الكتابة في الذكرى السادسة والستين للنكبة الفلسطينية ، هذه الذكرى التي حدد لها المؤرخون يوم الخامس عشر من أيار موعدا من كل عام وذلك منذ حدوثها في عام 1948 ، منذ ذلك التاريخ والعد على معداد الذكريات والسنوات لا يتوقف ، هكذا جرت العادة ، والطقوس هي ذاتها لا تتغير وحتى وقتنا الراهن ، أحداث الشريط المدونة عليه هي ذاتها لا تتغير أيضا ، البعض من أبناء جيلنا بات يحفظها عن ظهر قلب ، وخصوصا حين يتعلق الأمر بالشعب المخلوع من أرضه والمطرود منها بالقوة ، عن القرى والبيوت المدمرة ، وعن المجازر البشعة التي إرتكبها الصهاينة بدم بارد وحتى يكتمل المعنى الفعلي والحقيقي لجريمة النكبة التي نفذوها وارتكبوها على أرض الوطن الفلسطيني .
سنوات طويلة انقضت ونحن نكرر أنفسنا فقط لا غير مع فعاليات هذه المناسبة التي وللأسف أصبح البعض يكتفي بالإستعداد " للإحتفال " بذكراها ، نعم ، بالخطابة والكتابة التي لم يتغير مضمونها يأتي ويرحل أيار وينفض السامر وبكل ما فيه من عويل وصراخ ، ونطوي الصفحة حتى يحين فتحها من جديد في العام القادم ، رتابة نكبوية فارغة لا تستحق حتى مجرد الإلتفات إلى فعلها وأنشطتها ، لأنه لا يفرح لها سوى عدونا الصهيوني الذي وبالمقابل لا يتوقف يوما عن إرتكاب مختلف الجرائم الداعمة لجريمة النكبة التي أقام على قواعدها كيانه الغاصب واللامشروع .
متى يمكن أن يأتي الوقت الذي سنرى فيه فعاليات تعيد الإعتبار لمفهوم جريمة هذه النكبة ؟ أين نحن من هذه النكبة وعلى مدى كل أشهر السنة وليس في أيار فقط ؟ هذا هو السؤال الموضوعي والمهم ، هذا ما يجب التوقف أمامه والتمحيص التفصيلي فيه ، إن مشجب أيار يتألم ، ولم يعد يحتمل أن نعلق عليه أكثر من ذلك الذي تم تعليقه ومنذ ما يزيد عن الستة عقود ، لم يعد مقبولا أن نغرق في الحديث المكرور عما فعلته الصهيونية على أرض الوطن الفلسطيني ، هذا منطق عقيم وفارغ ، والعاجزين فقط هم من لا يزالون يتمسكون به ، ويلعبون على حباله الواهية .
ما سنكتبه لا يعدو عن كونه وجهة نظر نستمدها من واقع التجربة الوطنية والنضالية لشعبنا ، ومن معطيات الحاضر والوقت الراهن ، إن نكبتنا الفعلية والمؤلمة ما عادت تكمن فقط في ما يقدم عدونا الصهيوني على إرتكابه والقيام به ، بل إن اسباب العجز الذاتية النابعة من وضعنا الفلسطيني الداخلي هي التي أصبحت أكثر وجعا وأشد إيلاما ، النكبة التي يجب علينا مواجهتها تكمن فيما آلت إليه الثورة الفلسطينية ، ومنظمة تحريرها وفصائلها وما نتج عن ذلك من سلطة عبثية فارغة ، نعم ، فإذا كانت الصهيونية وعصاباتها هم من نفذ وإرتكب النكبة في عام 1948 ، فإن هذه السلطة ومؤسساتها الأمنية العميلة هم من ينفذ النكبة التي يعيشها شعبنا اليوم داخل وخارج الوطن المغتصب .
نضيف ، وبكل ما في الفم من مرارة ، بأن الكفاح ، والنضال الوطني الفلسطيني عموما لم يعد يسير على الطريق الصحيح الذي يمكن أن يقودنا وينتهي بنا إلى التحرير، والعودة ، وإسترجاع الوطن المسروق ، نكبتنا في أننا لم نصل أبدا ومنذ ولادة ثورتنا إلى إمتلاك وحدة وطنية صادقة تقوم على أساس – وطنية الوحدة – التي يجب أن يكون لها حضورها وترجمتها على صعيد كل السياسات والبرامج التي يجب أن يلتف الجميع من حولها ، ولذلك مضت وإنقضت سنوات من الضياع وعلى أكثر من صعيد ، سنوات من المراهنة الفارغة على مفاوضات عبثية ، وسلام كاذب وزائف بين المجرم الناكب ، وبين صاحب الحق المنكوب .
سنوات إضمحل ، وتلاشى ، وتراجع معها الإهتمام الوطني ، سنوات إنخفض خلالها الإستعداد لمواجهة ومقاومة عدونا الناكب الصهيوني ، نعم ، لقد إنحرف همنا الوطني عن هذا الدرب وتحول إلى الجري وراء سراب الوظيفة الرخيصة ، والراتب الأرخص وهذا ما سعت هذه السلطة الناكبة إلى فعله لأنها تدرك بأن بريق الدولار الأخضر سوف يقود نحو التذويب التدريجي لمحتوى ومعالم الهوية الوطنية والتي إذا ما رخصت وذابت فسوف يرخص معها ويذوب كل ما له علاقة بالقيم والثوابت ، هذا ما جاءت لترسيخه هذه السلطة ، وهذه هي مهمتها الوحيدة ، ولهذه الأسباب أقاموها كتحصيل حاصل بعد التوقيع على إتفاق أوسلو اللعين الذي لعب دورا رئيسيا في حدوث ذلك التحول والإنقلاب الذي أصبحنا نعيشه على صعيد مجمل المفاهيم الوطنية التي ولدت عبر درب النضال الوطني الطويل .
متى يمكن أن يأتي الزمان الذي سنرى معه أفعالا نضالية ترتقي إلى مستوى مسؤولية حق هذا الشعب المنكوب في العودة إلى توليد وتفجير الثورة من جديد ؟! وهل هي بعيدة أم قريبة ؟ تلك اللحظة التاريخية التي سينتفض فيها شعبنا الفلسطيني وتحت لواء وراية حركة التحرر الوطني المخلصة والنقية والتي ستكون قادرة على إعادة هذا الصراع الوجودي إلى ثوابته ، ومرتكزاته الفعلية ، وهذا إن حصل سيفرض على عدونا المجرم بأن يعيد حساباته في كل شيء .
الأجواء الفلسطينية ملوثة ، والبيت الفلسطيني يعج بالكثيرين من المرتزقة والفاسدين ، وفي ظل ذلك فمن المستحيل أن تنجح مصالحة بين الوطني واللاوطني ، أو بين المناضل والعميل ، لقد أصبحنا وللأسف ناكبين ومنكوبين ، وما كان لذلك أن يكون لولا هذه الزمرة المتسلقة على أكتاف هذه القضية وشعبها المناضل ، هذه الزمرة التي كان رئيسها يؤكد وقبل أن ينتهي أيار ، وأمام العشرات من الصهيانة الذين كان يستضيفهم في مكتبه الرئاسي بأن " التنسيق الأمني مع إسرائيل ومؤسساتها الأمنية هو المقدس الوحيد الذي لن يسمح للخلافات السياسية أن تؤثر عليه " ، هذا هو الوجه الآخر الجديد للنكبة ، وهذا ما يجب علينا كنسه اولا من طريقنا الوطني لا أن نتصالح معه ، لكي نتفرغ لمقاومة الغاصب الصهيوني المسؤول عن نكبتنا والتي لا شك لدينا في أنها إلى زوال .