ساعة " أبو مازن " دَقت !
في سبتمبر / أيلول من كل عام تتجه أنظار غالبية دول العالم إلى متابعة إجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، بغية الإستماع إلى العشرات من خطابات قادة ورؤساء الدول الأعضاء ، وخصوصا إلى أولئك الذين لا يعدمون وسيلة لإظهار حماسهم وتباكيهم على ضرورة إيجاد السبل المؤدية إلى الوصول نحو الإستقرار والأمن والسلام العالمي ، وإلى فض الصراعات والنزاعات التي لا تزال قائمة ومشتعلة في العديد من مناطق هذه الأرض ، التي باتت تضيق وتعج بالمليارات من البشر الساعين إلى تأمين حياتهم ولقمة عيشهم بعيداً عن الحروب ، والقتل ، وكوارث الفقر والجوع التي ما تزال عواصفها تضرب هنا وهناك من أرجاء هذه المعمورة .
على مسرح الأمم المتحدة في نيويورك الأمريكية وفي هذا الشهر من كل عام تسيل دموع التماسيح من عيون ممثلي بعض الدول القوية ، ويعلو صياح البعض الآخر ، فلا ضرر ولا ضرار ما دامت المسألة لا تتعدى التمثيل والتهريج أمام الضعفاء ، والتلويح بالعصى الغليظة في وجوههم ، وتقديم الخطابات الفارغة التي لا جوهر يكمن بداخلها أو يحكمها ، ولا منفعة ترجى من ورائها ، ما دام الأهم يتمثل في حرص هؤلاء الممثلين الضعفاء على عدم التفوه بكلمة واحدة قد تؤدي إلى إغضاب الشيطان الأمريكي الذي لا يزال يهيمن ويسيطر على هذه الأمم المتحدة ، وعلى كل مؤسساتها المنبثقة عنها ، فأغلب المتحدثين من الرؤساء والقادة لا يريدون سوى العودة إلى بلادهم وهم محملين بحقائب الرضى الأمريكي عنهم ، وعن فسادهم ، وعن قمعهم لشعوبهم ومواطنيهم .
محمود عباس – أبو مازن – الزعيم الأوحد لحركة نضال الشعب الفلسطيني هو واحد من هؤلاء المساكين ، وبالتالي فلا عجب ولا غرابة أن نسمع من سيادته أرفع أقوال التمجيد والمديح بحق الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري ، وما كنا أبدا نتوقع من سيادة هذا المسكين أن يحيد ولو قليلا عن وضع كل البيض الذي حمله معه من رام الله في السلة الأمريكية ، خصوصا وأن الولايات المتحدة قد فرضت عليه مؤخراً ، وعلى سلطته هذه العودة الذليلة ، والمهينة ، والضعيفة إلى مائدة المفاوضات الثنائية مع المجرمين من بني صهيون ، الذين اغتصبوا وسرقوا أرض الوطن الفلسطيني وفي ظل الدعم اللامحدود ، والتأييد المنحاز ، والموافقة العمياء التي قدمتها لهم في يوم من الأيام هذه الأمم المتحدة التي يتباكى الرئيس عباس على منصتها اليوم .
ولكن وحتى ننصف سيادة الرئيس بعض الشيء ولا نظلمه كثيراً ، فلا بد من الإشارة إلى ذلك الجديد الذي ظهر جلياً وواضحاً في الخطاب العرمري الذي ألقاه أبو مازن في هذه المرة ، وهذا الجديد يعكس مقدار الجهد الكبير الذي قام ببذله مستشارو الرئيس من الذين أوكلت إليهم مهمة صياغة الخطاب الذي قارب الألفين كلمة ، وخصوصا ذلك الذي ورد وجاء في الفقرة الختامية ، والتي يحاول الخطباء على أن يقولوا فيها وبإيجاز شديد كل ذلك الذي أسهبوا في طرحه وشرحه من الكلام المكرور والممجوج والذي غالبا ما يكون جمهور المستمعين قد ملوا وسئموا من سماعه والإنصات إليه .
من يراجع خطاب العام الماضي ، ويقارنه بخطاب هذا العام ، لن يجد أية فوارق تستدعي التوقف أمامها ، فلغة التذلل والتوسل إلى مندوبي دول العالم الذين لا حول لهم ولا قوة لهم هي ذاتها في الخطابين ، وهذا بطبيعة الحال أمر معروف ومستدرك ولم يكن مهماً عند أبو مازن وجوقة المستشارين المرافقين له ، فالمهم لديهم أن الرئيس قد حظي هذه السنة بكامل البروتوكول الرئاسي في التعامل مع رؤساء الدول وذلك من الجهة المشرفة على تنفيذ ذلك في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، فهنيئا لفلسطين على هذا الإنجاز التاريخي العظيم !
أما جديد الخطاب العباسي يا سادة ويا كرام لهذا العام فقد تمثل في إماطة اللثام عن دقات ساعة الرئيس التي دقت ثلاث مرات حسب ما جاء في نهاية الخطاب ، ما نوع الساعة التي دقت هذا ليس بالمهم ، فالأهم أنها قد دقت في نهاية المطاف ، فتعالوا لنراجع دقات ساعة الرئيس ، وسأترك الحكم الموضوعي والمنطقي والوطني لكم .
يقول رئيس الدولة الفلسطينية المراقبة :الوقت ينفذ ، ونافذة الأمل تضيق ، ودائرة الفرص تتقلص ، ولذلك فقد دقت ساعة الحرية للشعب الفلسطيني ، وهذه هي الدقة الأولى ، أم الثانية فقد دقت ساعة إستقلال فلسطين ، والثالثة والأخيرة فقد دقت ساعة السلام للشعبين الفلسطيني و " الإسرائيلي " ، ثلاثة دقات بالتمام والكمال دقتها ساعة الرئيس أبو مازن وذلك حسب التوقيت المحلي لمدينة نيويورك ونزل بعدها عن المنصة وسط تصفيق الحضور الذين تنفسوا الصعداء مع الإعلان عن الإنتهاء .
قد تدق ساعة الرئيس في أي مكان من هذا العالم بهذا الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولكنها لن تدق أبدا في فلسطين وعلى أرضها الطاهرة والمقدسة ، لن تدق أبدا لأن شعبنا المناضل والصامد يعرف جيداً طبيعة عدوه الصهيوني الذي لا يستمع ولا يرى إلا إلى ما يقوم بتنفيذه من جرائم بشعة ، وبالتالي قلا وقت لديه للإستماع إلى ترهات أبوما زن وأحلامه التي رددها على منصة الأمم المتحدة ، هذه المنصة التي لا وزن ولا قيمة لها في حسابات هذا العدو النازي والفاشي المجرم .
الساعة الحقيقية والفعلية لشعبنا لن تدق معلنة عن تحرير فلسطين وعودتها كاملة غير منقوصة من نهرها إلى بحرها حتى نعود إلى وطنية وحدتنا الداخلية بين القوى والفصائل التي ستقود مقاومة وكفاح شعبنا من جديد ، وهذا لن يكون ولن يتحقق حتى تدق ساعة الخلاص من هذه السلطة العبثية العاجزة ، والتي لا هم لها سوى التوسل الذليل على حساب أقدس وأعدل قضية عرفها العالم ، وبغض النظر عن خطيب العام القادم ودقات ساعته !.