فلسطين التي تعوت عليها ذئاب البشر !
بل تعاوت ونهشت لحمها وحطمت عظامها ، وحتى القلوب التي ادعت وهى كاذبة بأنها معها لم تترك فرصة إلا وشهرت سيوفها عليها وعلى أهلها وكأنهم ليسوا من بني البشر ، ولهذا السبب فإن التاريخ الذي يعبق و يفيض بأجمل المعاني الإنسانية لن يغفر لهذه البشرية مواقفها الظالمة ، والمجحفة ، و المنحازة التي دأبت علي تبنيها من مأساة ونكبة فلسطين التي زاد عمرها الآن عن الستة عقود.
يقول الفلاسفة والمفكرين أن الحقيقة هي بنت البحث والمناقشة ، فكم هو الوقت الذي يحتاجه هذا العالم يا ترى حتى يصل إلى هذه الحقيقة الفلسطينية التي لا يكف عن إدارة الظهر لها وممارسة التنكر بحق كل ما بداخلها من صدق وعدالة ؟ ومن هي الجهة التي أصدرت هذا الحكم المأساوي والمؤلم بحق شعب يتجاوز تعداد سكانه اليوم العشرة ملايين إنسان ، لم يعد لهم من شغل سوى أن يعضوا على جراحهم ، و الإكتفاء بمداواتها بمرهم الصبر الذي لم يعد يطاق وهم يواجهون يومياً أبشع الجرائم التي ترتكب بحقهم على مرأى و مسمع من كل هذا العالم ؟!.
تقول لنا كتب التاريخ والسياسة أنه الإستعمار البغيض وبلفور الأبغض والألعن ، ويقول لنا أصحاب الباع الطويل من عتاة المحللين ، أنها الصهيونية العالمية ومؤامراتها ودسائسها التي اختارت فلسطين من دون كل بقاع الأرض لتمارس على ترابها فاشيتها وتعطشها للقتل وسفك الدماء ، وهذا ما يسهر على رعايته وتنفيذه الثلاثي المجرم نتنياهو وبراك والمعتوه ليبرمان وبقيادة رمزالقتل الأول في هذا العالم المدعو شمعون بيرز رئيس هذا الكيان .
يقول لنا البعض الآخر بأن الولايات المتحدة هي السبب ، في الوقت الذي تدعي فيه بأنها المدافع الأول عن الديمقراطية وحرية الشعوب المضطهدة والمظلومة ، ولماذا لا تكون ؟ وقد تحولت إلى شرطي وحيد يتحكم بكل ألوان الطيف وفي مقدمتها الأحمر والأخضر والأصفر حيث تشعلها كما تشاء بعد أن أعطت لنفسها الحق المطلق في أن تستبيح و تتدخل في رسم مستقبل كل شعوب الكرة الأرضية .
هناك وفي عاصمتها القابعة وراء المحيطات يؤخذ قرار الحرب والسلام ، وقرار النفط والغاز و الذهب و الفضة ، و قرار الهواء و الماء ، وحتى نصل إلى كسرة الخبز التي يبحث عنها ويتمناها أهل الصومال وغيرهم من سكان هذه المعمورة ، فالجوع والشبع يجب أن يظل قرارا أمريكيا لا يحق لأحد أن يقترب منه ، هناك وعلى أيدي عتاة الرأسمال الإمبريالي ومصالحهم يتم رسم خريطة حقوق الإنسان ، فوحدهم لهم اليد العليا في تحديد من هو الإنسان ومن هو الحيوان ، وعلى وقع هذه الأوامر يجب أن تعمل الأمم المتحدة وكل منظماتها الكرتونية الفارغة ،والويل كل الويل لمن يفكر في أن يخالف الرئيس الأسود أوباما ، و الوزيرة الشقراء كلينتون .
سيقول بعض القراء عن كل ما سبق بأنها رومنسيات أكل الزمان عليها و شرب ، و بالتالي ، فهى لا تسمن ولا تغني من جوع ، و لا تقدم و لا تؤخر ، لا فرق عندي ، فليقولوا ما يطيب ويحلو لهم ، ولكن وحتى يتكامل هذا البناء " العاطفي والرومانسي " مع ختام هذه السطور فلا بد أن يرتفع الصوت الفلسطيني صارخا في وجه كل عربي ومسلم بالقول أنتم السبب ، لقد قصرتم وتقاعستم وكان ضعفكم جلياً وواضحاً أمام اغتصابها ، لكنها وبالرغم من كل ذلك فلن تلوم ولن تعاتب وستظل محافظة على كل صلات القربى معكم ، فقط هي ترجوكم أن لا تؤذوها أكثر !
عُد يا أبو عمار ، وانهض يا حكيم ، ولتسمح الأرض لكل الشهداء الذين قضوا من أجلها بأن ينبتوا مجددا من الأجداث ، ليجتمع القادرين فوق ثراها ، وليلتف حول سياجها الذي أحاطوها به كل أولئك الذين استشهدوا وماتوا وهم يحلمون بالعودة إليها ، ولنعترف جميعا أمام زيتونها الشامخ بأننا وكشعب فلسطيني كنا و لا نزال من أكثر المقصرين بحقها ، فكم هو معيب أن نتظاهر اليوم في أغلب شوارعها وأزقتها وحاراتها ومدنها وقراها وبلداتها احتجاجا على رفع أسعار المحروقات ، و قارورة غاز ، وطبق بيض !
كم أنا مؤمن بهذه الرومانسية التي قد لا تروق للكثيرين ، لا بأس ، فلنتركها و لننحيها جانبا ، ما دام أهل المنطق ، والتحليل الموضوعي ، يقولون أن الشعب يعيش في أزمة وطنية ، وأن سبب الكارثة يكمن في التسويات المذلة التي وقعها البعض مع هذا العدو الغاصب ، وعليه ، فإن المخرج الوحيد نحو طريق التحرير و حسب أصحاب هذا الرأى يحتاج أولا ، إلى اعادة إستنهاض وتثوير المشروع الوطني التحرري وتطوير أدوات تحقيقه ، وإسقاط سلطة أوسلو القائمة على التنسيق الأمني والتبعية الإقتصادية ، فماذا ننتظر يا ترى ؟ و لماذا هذا التقاعس ؟ أسئلة برسم الإجابة ، ما دامت فلسطين هي من وراء القصد دائما.