الاستناد إلى المشروعية الوطنية
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : المرحلة القادمة تقتضي من جميع الأردنيين على وجه العموم، والسياسيين منهم على وجه الخصوص، الانتقال الفعلي إلى الألفية الجديدة رؤيةً وفلسفةً وعملاً وأداءً، وعلى كل المنخرطين في الهم الوطني والعمل العام التفكير الجدي في صياغة الإطار الفلسفي الجديد للمرحلة القادمة؛ سواء كانوا رجال أحزاب أو حزبيين قدامى، أو ناشطين في العمل النقابي، والمنخرطين في العمل الفردي والجماعي الذي يدخل في سياق رفع سوية الأداء الشعبي، عليهم جميعا أن ينتقلوا إلى طور جديد في استراتيجية العمل السياسي القادرة على تلبية أشواق الأجيال الجديدة الطامحة إلى المشاركة والإسهام في بناء الدولة الأردنية الحديثة، والانتقال نحو الطور الحتمي الجديد للدولة، التي تتناسب مع التغيرات الهائلة التي تجتاح المنطقة برمتها.
استراتيجية العمل السياسي الجديد يجب أن تقوم على مجموعة ركائز، تعد في غاية الأهمية وعظيمة الأثر والفاعلية في صياغة عملية الانتقال الجمعي المتدرج والهادىء الموزون، والمرسوم بعناية، بعيداً عن الارتجالية والفوضى، وبعيداً عن الضبابية والشعارات الفضفاضة المستندة إلى دغدغة العواطف وإثارة العصبيات، أو التعلق بأحبال الهوى والأوهام الخيالية المنبتة عن الواقع.
المرتكز الأول والأكثر أهمية في هذا السياق يتمثل بالاستناد إلى المشروعية الوطنية، واكتساب القوة السياسية من الذات الوطنية، والاستناد إلى الإنجاز الحقيقي في الواقع الميداني على الأرض الاردنية، و الحصول على الشرعية من خلال صناعة القوة الداخلية الصلبة، وبناء البرنامج التنموي الذي يحظى بالإجماع الوطني، وتوافق الأردنيين بكل شرائحهم ومكوناتهم وتوجهاتهم الفكرية والأيدولوجية، بمعنى آخر أكثر وضوحاً يجب مغادرة المنحى السياسي القائم على الاستقواء بالخارج، حيث كانت سمة العمل السياسي التقليدي في المرحلة السابقة تمتاز بالاستناد إلى جهة خارجية، وقوة سياسية من وراء الحدود، تأخذ منها الدعم المعنوي والمادي، بالإضافة إلى الدعم الفكري والأيدولوجي والتماهي السياسي معها بالشعار والمضمون، إلى تلك الدرجة التي ولدت انطباعاً قوياً لدى عامة الشعب الأردني بأن بعض الأحزاب أصبحت فروعاً ومكاتب إدارية لأحزاب قومية عربية أو إسلامية، وما زالت هذه الرّوح تسيطر على بعض الأفهام والعقول التي تدير العمل السياسي الداخلي، حيث يلاحظ بوضوح أن بعضهم عندما يشعر بالضعف أو التهميش أو اختلال التوازن، أو فقدان الثقل السياسي، يبادر إلى الاستعانة بقوة خارجية، وترتيب زيارات استعراضية إلى دول الجوار من أجل طلب العون، أو الحصول على مساندة معنوية أو مادية، ومن ثم تبدأ التسريبات الصحفية، والتصريحات الإعلامية تتحدث عن هذه النشوة التي تبدو ملامحها بوضوح على هذا القائد السياسي أو الحزبي.
مقولة سياسية قديمة كان يتم تردادها مراراً على ألسنة بعض القادة الحزبيين والمحللين السياسين؛ حتى أصبحت إحدى قواعد العمل الحزبي السياسي في الأردن خلال المرحلة السابقة، وذلك من خلال الاعتقاد المبالغ فيه: بأن الأردن شديد التأثر بما يجري في الدول المحيطة، وأن الوضع السياسي الداخلي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمزجة الأنظمة السياسية العربية المجاورة، والأشقاء الكبار في المحيط العربي، وغالباً ما كان يتم وصف رجال الحكومات بأوصاف قطرية تابعه إما للشمال أو للشرق أو للجنوب.
هذا الإحساس المبالغ فيه إلى درجة الشطط جعل بعض الأحزاب والقوى السياسية المحلية والشخصيات الطامحة في مركز مرموق داخل الأردن تبحث بشكل دائم عن موطىء قدم لها أو حظوة لدى الأنظمة المجاورة، وما زال بعضهم يتوارث هذا النمط من الحج المتكرر إلى العواصم عند الحاجة وفي كل مناسبة، ولا نجدهم يبحثون عن مواطن القوة من خلال المشروعية الوطنية الأردنية، ولا من خلال البرامج العملية الداخلية ولا من خلال تصليب وتمتين الجبهة الداخلية، ولا يتم الاستناد إلى الإنجاز الوطني الأردني، بل على العكس هناك من يتجرأ على ذم الانتماء إلى الأردن والدولة الأردنية، ويعدون ذلك إقليمية وقطرية نتنة، أو نوعاً من التخلي عن الشعور القومي أو الانتماء الإسلامي.
آن الأوان للانتقال نحو آفاق جديدة وفلسفة جديدة ورؤية جديدة في العمل السياسي والحزبي الأردني، في ضوء الفهم الصحيح لمعنى القوة الحقيقية، وفي ضوء التغيرات الكبيرة والهائلة على صعيد المعادلة السياسية الإقليمية والمحلية، حيث يجب الاستناد إلى المشروعية الوطنية بكل جرأة ووضوح، والبدء بالعمل على تشكيل الحالة الوطنية الصلبة، التي تستطيع أن تنهض بعبء المشروع الوطني، من خلال قوة الانتماء وقوة التخصص، وقوة المشروع، ووضوح الرؤية، وهذا يحتاج إلى جيل جديد منعتق من الرؤية السياسية التقليدية السابقة، ومنعتق من الاستغراق باستنساخ التجارب الحزبية السابقة، وقادر على إزالة التناقض المصطنع بين الانتماء الوطني والانتماء القومي والإسلامي.
الانخراط في المشروع الوطني الأردني ضرورة بكل المعايير والمقاييس المعروفة، ولا يمثل ذلك انكفاءً قطرياً، ولا تخلياً عن القضايا القومية أو الإسلامية، بل على العكس من ذلك هو الصحيح، لأن الذي ينجح وطنياً هو الذي يستطيع بنجاحه خدمة قضاياه القومية والإسلامية، والفاشل والمفرط على المستوى الوطني سوف يكون أكثر فشلاً وتفريطاً على المستوى العربي والإسلامي.
(الدستور)
استراتيجية العمل السياسي الجديد يجب أن تقوم على مجموعة ركائز، تعد في غاية الأهمية وعظيمة الأثر والفاعلية في صياغة عملية الانتقال الجمعي المتدرج والهادىء الموزون، والمرسوم بعناية، بعيداً عن الارتجالية والفوضى، وبعيداً عن الضبابية والشعارات الفضفاضة المستندة إلى دغدغة العواطف وإثارة العصبيات، أو التعلق بأحبال الهوى والأوهام الخيالية المنبتة عن الواقع.
المرتكز الأول والأكثر أهمية في هذا السياق يتمثل بالاستناد إلى المشروعية الوطنية، واكتساب القوة السياسية من الذات الوطنية، والاستناد إلى الإنجاز الحقيقي في الواقع الميداني على الأرض الاردنية، و الحصول على الشرعية من خلال صناعة القوة الداخلية الصلبة، وبناء البرنامج التنموي الذي يحظى بالإجماع الوطني، وتوافق الأردنيين بكل شرائحهم ومكوناتهم وتوجهاتهم الفكرية والأيدولوجية، بمعنى آخر أكثر وضوحاً يجب مغادرة المنحى السياسي القائم على الاستقواء بالخارج، حيث كانت سمة العمل السياسي التقليدي في المرحلة السابقة تمتاز بالاستناد إلى جهة خارجية، وقوة سياسية من وراء الحدود، تأخذ منها الدعم المعنوي والمادي، بالإضافة إلى الدعم الفكري والأيدولوجي والتماهي السياسي معها بالشعار والمضمون، إلى تلك الدرجة التي ولدت انطباعاً قوياً لدى عامة الشعب الأردني بأن بعض الأحزاب أصبحت فروعاً ومكاتب إدارية لأحزاب قومية عربية أو إسلامية، وما زالت هذه الرّوح تسيطر على بعض الأفهام والعقول التي تدير العمل السياسي الداخلي، حيث يلاحظ بوضوح أن بعضهم عندما يشعر بالضعف أو التهميش أو اختلال التوازن، أو فقدان الثقل السياسي، يبادر إلى الاستعانة بقوة خارجية، وترتيب زيارات استعراضية إلى دول الجوار من أجل طلب العون، أو الحصول على مساندة معنوية أو مادية، ومن ثم تبدأ التسريبات الصحفية، والتصريحات الإعلامية تتحدث عن هذه النشوة التي تبدو ملامحها بوضوح على هذا القائد السياسي أو الحزبي.
مقولة سياسية قديمة كان يتم تردادها مراراً على ألسنة بعض القادة الحزبيين والمحللين السياسين؛ حتى أصبحت إحدى قواعد العمل الحزبي السياسي في الأردن خلال المرحلة السابقة، وذلك من خلال الاعتقاد المبالغ فيه: بأن الأردن شديد التأثر بما يجري في الدول المحيطة، وأن الوضع السياسي الداخلي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمزجة الأنظمة السياسية العربية المجاورة، والأشقاء الكبار في المحيط العربي، وغالباً ما كان يتم وصف رجال الحكومات بأوصاف قطرية تابعه إما للشمال أو للشرق أو للجنوب.
هذا الإحساس المبالغ فيه إلى درجة الشطط جعل بعض الأحزاب والقوى السياسية المحلية والشخصيات الطامحة في مركز مرموق داخل الأردن تبحث بشكل دائم عن موطىء قدم لها أو حظوة لدى الأنظمة المجاورة، وما زال بعضهم يتوارث هذا النمط من الحج المتكرر إلى العواصم عند الحاجة وفي كل مناسبة، ولا نجدهم يبحثون عن مواطن القوة من خلال المشروعية الوطنية الأردنية، ولا من خلال البرامج العملية الداخلية ولا من خلال تصليب وتمتين الجبهة الداخلية، ولا يتم الاستناد إلى الإنجاز الوطني الأردني، بل على العكس هناك من يتجرأ على ذم الانتماء إلى الأردن والدولة الأردنية، ويعدون ذلك إقليمية وقطرية نتنة، أو نوعاً من التخلي عن الشعور القومي أو الانتماء الإسلامي.
آن الأوان للانتقال نحو آفاق جديدة وفلسفة جديدة ورؤية جديدة في العمل السياسي والحزبي الأردني، في ضوء الفهم الصحيح لمعنى القوة الحقيقية، وفي ضوء التغيرات الكبيرة والهائلة على صعيد المعادلة السياسية الإقليمية والمحلية، حيث يجب الاستناد إلى المشروعية الوطنية بكل جرأة ووضوح، والبدء بالعمل على تشكيل الحالة الوطنية الصلبة، التي تستطيع أن تنهض بعبء المشروع الوطني، من خلال قوة الانتماء وقوة التخصص، وقوة المشروع، ووضوح الرؤية، وهذا يحتاج إلى جيل جديد منعتق من الرؤية السياسية التقليدية السابقة، ومنعتق من الاستغراق باستنساخ التجارب الحزبية السابقة، وقادر على إزالة التناقض المصطنع بين الانتماء الوطني والانتماء القومي والإسلامي.
الانخراط في المشروع الوطني الأردني ضرورة بكل المعايير والمقاييس المعروفة، ولا يمثل ذلك انكفاءً قطرياً، ولا تخلياً عن القضايا القومية أو الإسلامية، بل على العكس من ذلك هو الصحيح، لأن الذي ينجح وطنياً هو الذي يستطيع بنجاحه خدمة قضاياه القومية والإسلامية، والفاشل والمفرط على المستوى الوطني سوف يكون أكثر فشلاً وتفريطاً على المستوى العربي والإسلامي.
(الدستور)