الإساءة إلى الإسلام وكيفية المعالجة
تأتي فكرة "الفيلم المسيء" للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في توقيتٍ غير بريء، من مجموعة غير بريئة، وبطريقة مريبة، تحتاج إلى فهم ورويّة، ودقة في التحليل من أجل التوصل إلى طريقة فاعلة، ومنهجية سليمة في التعامل مع هذا النمط من الإساءات المتكررة التي لن تتوقف، مهما كانت ردة الفعل من الأمّة الإسلامية غاضبة ومنفعلة، ومهما كان عدد المتظاهرين، ومهما كانت حدة أصواتهم مرتفعة، ومهما قاموا من أفعال انتقاميّة متسرعة ومتعجلة، تصب في طاحونة أصحاب الفتنة.
ينبغي الوقوف على الأهداف الخفيّة والمعلنة من وراء هذه الأفعال، وينبغي الوقوف على حقيقة الفاعلين بدقة، ومن يقف وراءهم ويدعم مثل هذه الأساليب بالمال والنشر والإعلام من دول وأشخاص واتجاهات، من أجل معرفة الطريقة المناسبة والأسلوب الأفضل في إفشال هذه المخططات إن وجدت.
فهذا الفعل هو مفردة صغيرة من مخطط صهيوني في مواجهة التغيرات التي تجتاح العالم العربي، من أجل إفشال الشعوب العربية والحيلولة دون صياغة النظام العربي الجديد الذي يعيد السيادة للشعوب على أرضها ومقدراتها وانتزاع حقها في تقرير مصيرها، وصياغة مستقبلها وبناء وحدتها، بالتعاون مع كل الخصوم في الداخل والخارج، الذين يتقنون فنّ التحريض وإشعال الفتن وإثارة الزوابع بين مكونات الشعوب والمجتمعات.
إذا كان من أهداف هذه السلوكات تشويه صورة الإسلام، وتشويه صورة المسلمين في أذهان غير المسلمين عموماً والأجيال الجديدة منهم على وجه الخصوص، فهذا يقتضي من المسلمين عامة وأولي الأمر وأصحاب الاهتمام خاصة أن يعملوا على توضيح صورة الإسلام، وبيان حقيقة الرسول (محمد صلى الله عليه وسلم) عن طريق تمويل النشر الهادف عبر الكتب والمؤلفات والروايات، وترجمتها إلى كل اللغات بطرق جذابة وواعية، قائمة على أسس مدروسة في الخطاب الناجح لمثل هذه الفئات، وأن تعمد الدول الإسلامية وعلى رأسها السعودية وتركيا ومصر وإيران إلى تشجيع العلماء والفنانين والكتاب والروائيين والإعلاميين إلى إيجاد الأعمال الفنية من أفلام ومسلسلات وأدب، قادرة على توصيل المضامين الحقيقية للمشروع الحضاري الإسلامي العالمي الكبير، وما يحمله من رسائل راقية، وما يحويه من منظومة قيم نبيلة ورائعة، ومثل هذا العمل يجب أن لا يكون هبّة أو ردّة فعل؛ بل هو من باب التواصل الدائم مع الشعوب، والتفاعل الإيجابي المستمر مع مختلف الثقافات العالمية والحضارات الإنسانية.
وهناك خطوط ومسارات عمل كثيرة ومتعددة على الصعيد السياسي والدبلوماسي وفي مختلف المجالات الثقافية والفكرية، من خلال الأدوار المفترضة للسفارات العربية والإسلامية التي تزيد على (60) دولة عربية وإسلامية، والتي يمكن أن تشكل منارات للتواصل الحضاري مع الشعوب، لو كانت هذه السفارات تحمل همّ الأمة وتحمل رسالتها، وتنتمي لمشروعها الحضاري الأصيل، ولذلك هذا يجعلنا نعتب أشد العتب على الدول العربية والإسلامية وطريقة اختيارها لسفرائها في الدول الأجنبية وخاصة تلك الدول التي وجدت على أرضها مثل هذه الإساءات ومثل هذه الأفعال المشينة، وهنا يثور تساؤل كبير بحجم الوطن العربي والإسلامي عن دور السفراء العرب والمسلمين، وعمّا يتمتعون به من مستويات فكرية وثقافية وعن قدرتهم على حمل هذه الرسالة الإنسانية السامية.
والمحور الثالث يتعلق بدور هيئة الأمم المتحدة التي يجب أن يكون لها جهد ملموس ودور واضح في القضاء على التمييز الديني والعرقي والإثني والمذهبي، وأن تعمد إلى تقليل منسوب الكراهية بين الأمم والشعوب وتخفيف عوامل الحقد والتوتر، وتقلل حدة العداء عن طريق رفض كل ما يغذي هذا العداء وهذا الحقد وهذه الكراهية، ويمكن العمل على إخراج ميثاق أممي يقوم على احترام الأديان والمقدسات، وعدم الإساءة إليها بطريقة تثير الفتنة بين الشعوب وتؤدي إلى صدام الحضارات، وإشاعة ثقافة القتل والإبادة الجماعية وتغذي الحروب الأهلية في المجتمعات الإنسانية.
إنّ الإسلام يدعو إلى التعارف بين الشعوب، ويدعو إلى التواصل الحضاري والحوار العقلاني بين الثقافات، ويدعو إلى إرساء قيم التعاون المثمر بين الأمم من أجل حفظ كرامة الإنسان وحقه في الحياة والحرية، ويدعو إلى تكامل الحضارات من أجل حفظ كوكبنا وما يحيط به لتحقيق المصلحة العامة للبشرية وحمايتها من الشرور والفساد، والدين يجب أن يكون عامل تهدئة وسلام وليس عامل توتر وحقد وكراهية.
والمحور الرابع يجب التوصل إلى صياغة ميثاق إعلامي عالمي، يرفع سقف الحرية بلا إساءة للآخرين، وبلا تحريض، وبلا امتهان للكذب والدس الرخيص الذي يشعل نار الفتنة بين مكونات المجتمعات البشرية، على المستوى المحلي وعلى المستوى العالمي كذلك.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)