jo24_banner
jo24_banner

الاستثمار السياسي في المصائب

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : من أشد ظواهر العمل السياسي الحزبي ظهوراً في أقطارنا العربية هو الاستثمار في المصائب الكبيرة والصغيرة التي تحلّ بالأمة، ولا تكاد نجد استثماراً آخر ولو كان ضئيلاً في الأمور الأخرى في الجهة المقابلة، التي تمثل نوعاً من الإضافة أو الإنجاز، ويتعمد بعض الحزبيين غض أبصارهم عن الإيجابيات أو ومضات النجاح التي يحققها خصومهم، حتى لو كانت قليلة أو نادرة في ليل العرب البهيم. من الملفت للإنتباه أن كثيراً من الجماعات السياسية أو النشطاء في حقل المعارضة الدائم، يظهرون على السطح ويعلو صوتهم ويصيبهم الانتعاش عندما يصعّد الصهاينة من عدوانهم ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة في غزة أو الضفة الغربية، أوالعدوان على المصلين في المسجد الأقصى، بينما نلاحظ عندما تكون الأوضاع هادئة أو تميل إلى الرتابة؛ نجد السياسيين في حالة هدوء ورتابة أيضاً في أغلب الأقطار العربية، وخاصة المجاورة منها لفلسطين، وأحياناً تكون الفرصة مواتية للنشاط ورفع الصوت عند حدوث الكوارث والمصائب الاستثنائية مثل حدوث حريق أو فيضان أو ما شابه. من المحزن أن يقتصر النشاط الحزبي السياسي العربي على حالات الكوارث، أو عندما تتعرض البلاد والعباد للعدوان، ومن المحزن كذلك أن لا يظهر في سجل النشاط الحزبي إلّا بعض حالات الاستثمار في الأخطاء والسلبيات، ويخلو من النشاط الإيجابي في الظروف العادية تماماً. من الطبيعي أن يثور الناس في الحالات الاستثنائية، وأن يهيج الرأي العام عند حدوث كارثة أو فاجعة أو حدوث أمر صادم، ومن الطبيعي كذلك أن تستغل المعارضة هذه الظروف الاستثنائية لتسجيل بعض النقاط لصالحها، لكن الأمر غير الطبيعي أن يكون عملها السياسي مقتصراً على تسجيل النقاط في هذه الحالات الاستثنائية وينعدم نشاطها ويخفت صوتها في أيام العمل والبناء ولا تنافس في تقديم البديل المقنع للناس، أو عن طريق تقديم الخدمة الناجحة والمميزة للجمهور على مدار أيام السنة. هذا الخلل الواضح في مسيرة العمل السياسي الحزبي يعود لعدة عوامل أهمها: العامل الأول يتمثل بالفهم القاصر للعمل السياسي الحزبي، حيث أصبح المفهوم السائد مقتصراً على الإبداع في النقد وجلد الذات، وإظهار أخطاء الحكومات والتركيز على انحرافات أصحاب السلطة، وستر الإيجابيات وطمس النقاط المضيئة وتشويهها، وإتهام من يشير إلى بعض الإيجابيات بأنه عميل أو خائن أو سحيج، أو أنه من الباحثين عن المناصب أو المغانم والمكاسب السياسية. العامل الثاني يتمثل بالخلل الكبير في بنية النظام السياسي العربي على الجملة، إذ أن الحكومات تكاد تحتكر السلطة والقانون والمال والنفوذ، وتحتكر العمل السياسي، وتحتكر النشاط الإيجابي، وتغلق الطريق أمام المشاركة الحزبية والشعبية، وتسعى دائماً نحو إفشال الخصوم وإظهار عجزهم ودفعهم إلى الحائط، من أجل عدم التمكن من إيجاد البديل المقنع للجماهير، الذي يحظى بالثقة التي تجعله مؤهلاً للمشاركة في إدارة الدولة، وتسعى إلى حرمانهم من اكتساب الخبرة وتحجب عنهم أسرار مهنة الإدارة العامة. هناك عوامل أخرى بالتأكيد، ولكن ما نود الإشارة إليه أن الأطراف جميعها تتحمل مسؤولية هذا الخلل الكبير في مسيرة العمل السياسي العربي؛ الحزبي والشعبي والرسمي، مع التأكيد على ضرورة وجوب تصحيح الأوضاع في المرحلة القادمة، إذا أردنا تجنيب بلداننا وأقطارنا العربية مزيداً من الكوارث، وأردنا وقف السير الحثيث للأمة العربية نحو الهاوية، فنحن بحاجة إلى فهم جديد مختلف للعمل السياسي، وبحاجة إلى بناء مرحلة جديدة، تقوم على المشاركة والتفاعل الإيجابي مع هموم الأمة بطريقة مسؤولة تخلو من الاحتراب الداخلي، وتخلو من منهج الإفشال التي تمارسه الأطراف السياسية الداخلية ضد بعضها. الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير