jo24_banner
jo24_banner

الحل بيد الجيش السوري

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 :

عندما يصبح المشهد السوري على هذا النحو من القتامة والمأساوية، ويصبح الشعب والدولة هما الخاسر الأكبر، في ظلّ خيارات النظام "الشمشونية"، وفي ظل الحرب الدموية الانتقامية التي لا تعرف الوطن ولا تدرك الانتماء، ولا تملك الحد الأدنى من التفكير الذي يجعلها تحس بالمسؤولية عن مستقبل الدولة والشعب، وفي ظلّ إدراك النظام القاطع باستحالة استمراره في الحكم، الذي جعله يوغل في خيار تدمير دولته وإبادة شعبه، لا بدّ حينئذٍ للجيش أن يتدخل لوضع حد لهذه الحرب المجنونة.

في تونس، سارع الجيش التونسي إلى اتخاذ قرار سريع وحاسم يقضي بضرورة التدخل الفوري لإنقاذ الدولة، وإنقاذ الشعب عن طريق إرغام الرئيس على مغادرة كرسي الرئاسة، حتى لا تقع البلاد في مستنقع الحرب الأهلية، وحتى لا يكون الجيش في مواجهة جموع الشعب الغاضبة، وفعلاً نجح الجيش بإقناع الرئيس بالمغادرة الفورية بدون كبير جدال، واستطاع حقن دماء التونسيين، ونزلت الدبابات إلى الشوارع لحفظ الأمن وأسهم في إيجاد مرحلة انتقالية يتمّ تسليم السلطة فيها إلى مجلس منتخب وحكومة منتخبة، تعبّر عن خيار الشعب التونسي، دون تدخل خارجي ودون اضطرار لخيار حمّام الدم.

في مصر كذلك الأمر، فقد قرر الجيش المصري التدخل الحاسم من أجل إنقاذ مصر من خيارات المواجهة المجنونة التي يخسر فيها الشعب، وتخسر الدولة، فعمد إلى إرغام الرئيس على التخلي عن رئاسة الجمهورية، وتسلم المجلس العسكري إدارة البلاد في مرحلة مؤقتة، ريثما يتمّ التسليم إلى الرئيس المدني المنتخب، رغم بعض الملاحظات، وبعض الأخطاء التي ارتكبت من معظم الأطراف، ولكن الله سلم، ومضت الأمور نحو الاستقرار عن طريق إجراء انتخابات برلمانية، وانتخابات رئاسية، شابها ما شابها من اختلالات، أدّت إلى حلّ مجلس الشعب، ولكن في نهاية الأمر، لم يدخل الشعب ولم تدخل الدولة في حرب داخلية مجنونة كما حدث ويحدث في بعض الأقطار الأخرى.

كانت الأمنية أن يتمكن الجيش السوري من التدخل الفوري والحاسم لمنع انزلاق البلاد في مستنقع المواجهة الدموية البائسة، وأن يحسم خياراته باتجاه تنحي الرئيس وعدم استخدام القوة المسلحة، وأن يتيح الفرصة للشعب أن يختار نظامه الجديد عن طريق تهيئة البيئة لانتخابات حرة، تعبّر عن إرادة الشعب ، وتجنيب البلاد هذه الخسائر الهائلة في الأرواح وهذا التدمير الهائل الذي لحق المدن والمؤسسات، وتشريد الملايين داخل سوريا وخارجها، وإشعال نار الحقد بين مكونات المجتمع، وتدمير الاقتصاد السوري، وإضعاف الجيش والدولة، وفسح المجال للتدخل الخارجي.

لقد تنبأ المحللون السياسيون سابقاً بأنّ الجيش السوري لا يستطيع القيام بما قام به الجيشان التونسي والمصري، وذلك لطبيعة التركيبة القيادية التي وقعت تحت هيمنة الطائفة العلوية منذ زمنٍ بعيد، بحيث تمّ تحويل الجيش السوري من مؤسسة وطنية إلى مؤسسة حزبية لخدمة العائلة الحاكمة، وليس لخدمة الوطن أو الدولة أو الشعب، وتمّ إفراغ الجيش السوري من عقيدة عسكرية وطنية عليا، تجعله قادراً على اتخاذ قرار استراتيجي حاسم في اللحظة الحرجة التي يستطيع فيها إنقاذ البلاد من دوامة العنف والحرب الداخلية الطاحنة من أجل تلبية رغبة شخص بالبقاء في الحكم، وتشبثه بالعرش.

إنّ العناصر الوطنية في الجيش السوري ما زالت مدعوة إلى عدم الاستمرار في لعبة تدمير الدولة وقتل الشعب، وأن يتخذوا قرارهم التاريخي برفض توجيه السلاح والمدافع والطائرات نحو صدور الشعب، وأن يسارع إلى الإسهام في حقن الدماء، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقية الدولة.

rohileghrb@yahoo.com


(العرب اليوم)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير