الحكومة والمعادلة المختلّة
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : أخطأت الحكومة خطأً كبيراً عندما لم تستطع بناء معادلة التوازن المطلوبة بين دخل المواطن والنفقات العامة بطريقة صحيحة وسليمة، فمنذ مجيء الحكومة ومنذ فترة طويلة لم يطرأ تحسن على دخل المواطن، ولم تطرأ زيادة على رواتب المستخدمين والعاملين وموظفي القطاع العام، ولم يطرأ تحسن ملحوظ على مستوى المعيشة والدخل العام الذي ينعكس على تحسن مستوى الرفاه ومستوى القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه أقدمت الحكومة على رفع الأسعار على مستوى السلع الضرورية للمواطن وعلى مستوى الخدمات العامة، والحاجات التي تمس حياته مساً جوهرياً، وخاصة فيما يتعلق بالوقود والطاقة والغذاء والدواء واللباس، ولمس المواطن ارتفاعاً ملحوظاً في فاتورة غذائه، وفي فاتورة المياه والكهرباء، وفي مصاريف النقل والتعليم، وهناك شكوى عامة من قسوة الظروف وارتفاع كلفة متطلبات الحياة الأساسية، وباب الوظائف مغلق أو ضيق جداً، وعدد الخريجين كبير كبير جداً، يفوق عدد الفرص المتاحة أضعافاً مضاعفة آلاف المرات. بالرغم من هذه الظروف القاسية التي يمر بها المواطنون تأتي الحكومة لترش الملح على الجروح المفتوحة بطريقة مستفزة، من خلال مضاعفة رسوم ترخيص السيارات، ورفع سعر « جرة الغاز» ، على أبواب الصقيع والشتاء القارص، بالرغم من الانخفاض الكبير الذي يطال سعر المحروقات، ولذلك شعر المواطن بأن رفع سعرها غير مبرر، وكذلك رسوم السيارات. في هذا السياق لا بد من الحديث عبر عدة ملاحظات مهمة؛ فالملاحظة الأولى تتعلق بمسألة الشفافية مع المواطن، حيث أنه ما زال يشعر بسياسة الاستغفال «والاستلطاخ» أحياناً، فعندما يتم رفع الدعم عن المحروقات وتصبح حسب سعر السوق، وتبقى هناك جهة تحتكر الاستيراد والتسعير، فتبقى المسألة يعتريها شيء من النقص، وكذلك الأسعار المفروضة لا تتوازى مع حجم الانخفاض الكبير الذي طرأ على الأسعار العالمية، والمصيبة الأكبر عندما تصرح الحكومة أنها تعرضت لخسارة كبيرة بسبب انخفاض أسعار البترول، فالمسألة تحوي قدراً من التناقض الواضح والملفت للانتباه. أما الملاحظة الثانية التي تتغافل عنها الحكومة فهي التي تتعلق بموضوع النقل العام، حيث أن الحكومات المتعاقبة تغافلت عن حل هذا الإشكال، وما زال قطاع النقل العام يتدهور ويتدهور رغم زيادة أعداد السكان وزيادة الحاجة الكبيرة للتنقلات، ولم يتم تقديم خطوة عملية إيجابية واحدة، فمنذ عقود يجري الحديث عن قطار عمان- الزرقاء، وتم استملاك الأرض وطرح العطاءات المتكررة، منذ أكثر من عشرين عاماً، ومع ذلك لم يتم الإنجاز المطلوب، وكذلك الباص السريع داخل عمان، الذي بدأ العمل ببناء البنية التحتية ثم توقف، ثم يعاد تكرار الحديث فيه مرة ومرة، ومع ذلك لا قطارات ولا باصات سريعة ولا شبكة مواصلات محترمة في كل المملكة، والمسألة تزداد سوءاً. أرجو أن تعلم الحكومة ورئيس الحكومة أن المواطن أقدم على بيع أرضه من أجل شراء سيارة، وأقدمت النساء على بيع الحلي والذهب والمهور من أجل شراء سيارة، وأقدم الموظفون على رهن رواتبهم وانفسهم لدى البنوك من أجل شراء سيارة، لأن السيارة أصبحت ضرورة لحفظ كرامة البشر في ظل غياب شبكة النقل الضرورية، ولم تعد تشكل مظهراً للرفاه ورقي مستوى المعيشة. كل بلاد العالم استطاعت أن تحل مشكلة النقل لديها عبر تخطيط زمني يراعي حجم التزايد في السكان والخدمة وحجم الحاجة الملحة للتنقل، إلّا في الأردن، لم تستطع الحكومات حل هذه المعضلة المتفجرة التي أصبحت عبئاً كبيراً يظهر أثره في الازدحام الشديد في عدد سيارات الركوب الصغيرة التي تفوق حجم البنية التحتية أضعافاً كثيرة. الملاحظة الثالثة هناك إشكال في فهم حقيقة الخسارة في شركة الكهرباء التي تتحملها الخزينة، فلماذا تم تقسيم الشركة إلى ثلاث شركات عند الخصخصة، شركة تربح أرباحاً كبيرة وهي ملك لفئة القطاع الخاص، وشركة تخسر خسارة كبيرة وهي ملك الحكومة، ويتحمل خسارتها المواطن، فلماذا لا تكون شركة الكهرباء كلها شركة واحدة تعوض خسارتها بنفسها؟، فهناك لعبة غير مفهومة لدى عامة المواطنين ، وهناك إشكال أكبر لم يفهمه المواطن فيما يتعلق بانعكاس رفع الأسعار على حجم المديونية، مما يؤكد أن المعادلة ما زالت مختلة.