الرئيس المصري وبعض التحديات العاجلة
لقد استطاع الرئيس المصري المنتخب أن يخطو خطوات ضرورية وموفقة في سبيل استقرار أركان النظام الجديد، وتحقيق المؤسسية، والانتقال بالرئاسة من الفردية المطلقة إلى المنهج المؤسسي التشاركي، وهو يسير بهدوء واتزان وحكمة نحو استعادة سلطة الشعب بطريقة دستورية شرعية ناجحة، من خلال استعادة المضمون المدني للسلطة، وإبعاد العسكرمن دون ضجيج ومن دون إحداث أي آثار جانبية على استقرار الدولة.
رغم هذا النجاح الملحوظ، فما زال أمام الرئيس ملفات صعبة، تحتاج إلى وقت كافٍ، وتدرج في الخطوات من أجل إعادة بناء الدولة القوية التي اضعفتها سياسات النظام المخلوع الفاشلة، وهو الآن يحتاج إلى تجاوز جملة من التحديات العاجلة على وجه السرعة، أهمها:
تحدي السياسة الخارجية التي تحتاج إلى إعادة بناء جديد مختلف عما سبق، من حيث التوازن الدقيق في العلاقات مع القوى الدولية والأطراف الاقليمية الفعالة، وقد أحسن الرئيس في اعداد برنامج زيارته الخارجية الذي افتتحه بزيارة الصين وإيران، من أجل تأكيد موقف مصر المستقل القائم على رؤية صائبة لمصالح مصر العليا أولاً، بحيث يتم التعامل مع كل الأطراف بمنطق التكافؤ والمصالح المتبادلة، ووضع حد لسياسات التبعية والذيلية للمعسكر الغربي كما كان في عهد حسني مبارك.
وتبقى المسألة الحساسّة فيما يتعلق بمعاهدة "كامب ديفيد" وحيث يجب أن تخضع لإعادة تقويم ودراسة دقيقة ومراجعة جدّية وفقاً لمصالح مصر العليا وصيانة لسيادتها التامة على أرضها جميعاً بما فيها سيناء، وبما يتعلق بالبنود المجحفة في هذا المجال وفيما يتعلق ببناء جيشها وقوتها العسكرية إذ يجب أن تكون قائمة على منطق العدالة والتكافؤ، خاصة فيما يتعلق بإهدار مقدرات الشعب المصري في سيناء من بترول وغاز ومعادن أخرى، كما أن المعاهدة يجب ألاّ تلحق الضرر بعلاقة مصر مع محيطها العربي والإسلامي، ولا تلحق الحيف بالشعب الفلسطيني المحاصر، ولا تقر بالعدوان ولا تخضع للباطل، وإن طال عليه الزمن.
إن مسألة إعادة النظر بالمعاهدة بعد مرور (34) عاماً أمر عادي وطبيعي ولا يتناقض مع قواعد المنطق ولا قواعد القانون الدولي، وفي نهاية المطاف، يجب الاحتكام إلى استفتاء الشعب المصري صحاب الكلمة العليا.
التحدي الثاني يتعلق بالمجال الاقتصادي، إذ ينبغي على الرئيس والحكومة بناء فلسفة اقتصادية جديدة، تقوم بجوهرها على إعادة بناء الانتاج الذاتي، والاستغناء عن سياسة القروض والمنح الخارجية، ومحاربة الفساد بلا هوادة، وإعادة سياسة التصنيع المصري بعقول وسواعد مصرية، وبناء تكتل اقتصادي عربي وإسلامي، بعيداً عن الالحاق والتبعية بالاقتصاد الغربي، خلال مدة زمنية محددة بالاستعانة بكل الخبرات المصرية والعربية والإسلامية، لتكون نواة للنموذج الاقتصادي الجديد.
التحدي الثالث يتعلق بالثقافة والفن، حيث ينبغي إزالة كل الهواجس والتخوفات لدى المجتمع الفني، ووضع خطة جديدة قائمة على فلسفة الحرية والإبداع، من أجل احياء معالم نهضة فنية مصرية، يشترك في وضعها نقابة الفنانين وكل أصحاب الخبرة في هذا المجال، والشروع في بناء النموذج المصري الناجح في عالم الفن، الذي يسهم في بناء الأجيال الجديدة، وصقل عواطفها، وتزكية نفوسها، وبناء منظومة القيم الحضارية الراقية من خلال انجاز الأعمال الفنية الهادفة التي تعكس الوجه الحضاري المشرف لهذه الأمة، وتبشر لفلسفتها المميزة وهويتها الثقافية التي تبعث على الفخر، ومصر مؤهلة للقيام بهذا الدور الكبير والخطير والمؤثر على مستوى العالم كله، من خلال ارساء معالم مدرسة فنية جديدة منافسة.
أما التحدي الرابع فيتعلق بالشباب والرياضة، إذ يجب أن لا تتغافل الحكومة والنظام الجديد عن هذه الأولوية وتعمد إلى إهمالها أو تأخيرها، بل أعتقد أنها تمثل تحدياً عاجلاً للمرحلة الجديدة، إذ يجب استنهاض الطاقات المختزنة لدى الشباب في هذا المجال، ووضع خطة طموحة، لصقل مواهب اللاعبين، وإكسابهم المهارات المطلوبة من أجل تحقيق مكانة مميزة ومتقدمة لمصر على مستوى العالم، حيث أن مصر بما تمثله من ثقل سكاني وبما تملكه من مخزون كبير من الطاقات تستطيع تحقيق أهداف وغاياتٍ طموحة، ترفع من خلالها مكانة العرب وسمعتهم العالمية.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم