برامج التنفيع والإسترزاق في التلفزيون الأردني
مالك العثامنة
جو 24 : ليس كل ما يلمع ذهبا، وكذلك بالقياس، فإنه ليس كل إطلالة تلفزيونية هي إعلام محترم أيضا.
وفي الإعلام الفضائي تحديدا، فإن كل محاولات التلميع وجهود المخرج وطاقم الإعداد وفنيي الغرافيك وكفاءة فريق الماكياج خاصة، لن تجعل عدوا لنفسه بالجهل، إعلاميا وأقصى ما يمكن تحقيق النفع به في حال كانت المحطة ذات حضور قوي وفاعل، أنها تجعل النكرة معروفا، لا معرفا.. وهذا حديث ينطبق على الجنسين، بلا استثناء.
لكن، وفي حالات كثيرة في الإعلام، فإن إعلاميا جيدا، يردفه طاقم إعداد وإخراج فني جيد، قد يكون بحد ذاته قيمة مضافة في محطة ميؤوس منها، على وشك الإنهيار، فيحملها قدر جهده وجهد زملائه إلى قائمة المفضلات بعد أن كادت أن تضيع في مهب القنوات المهملة في غياهب الريسيفر.
بعد أن كتبت ما كتبت في التلفزيون الأردني الرسمي، خصوصا في برامج التنفيع والاسترزاق التي يقدمها التلفزيون المأسوف على تاريخه، فقد وردتني ملاحظة لافتة ممن أثق بحصافتهم أن أتابع برنامج «وسط البلد لكل البلد»، والذي يقدمه الزميل الإعلامي المعتق هاني البدري، سهرة كل يوم أحد.
شخصيا، استغربت عودة الصديق البدري إلى حضن التلفزيون الأردني، لعلمي المسبق بوعيه الإعلامي، وافتراضي اليقيني أنه رجل صاحب شروط مسبقة في الظهور التلفزيوني، أولها الحفاظ على تاريخه كإعلامي له حضوره وتاريخه.
قبل قدوم الأحد، عدت إلى ما تيسر من أرشيف الانترنت، لبرنامج «وسط البلد»، لأتفاجأ أن آخر الحلقات استضافت أحد رموز المعارضة اليسارية الأردنية المحترمين، النقابي المهندس خالد رمضان، وحسب معرفتي بسقف الإعلام الرسمي الأردني، فإن معارضا شرسا مثل خالد رمضان غير موجود أساسا على كوكب الكرة الأرضية، حسب مقاييس قوائم ذلك الإعلام، فاستبشرت خيرا بهاني البدري وبرنامجه «وسط البلد».
ما علينا، وجاء يوم الأحد، وبدأ برنامج هاني البدري والذي يمكن وصفه على الأقل أنه وصفة إنقاذ عاجلة لمحطة تلفزيون مهترئة ذات تاريخ عريق.
بالنسبة لتلفزيون رسمي استمرأ أن يكون بابا خلفيا للمتسلقين من هواة الإعلام، وسقفه لا يتجاوز لمبة السقف في غرفة الرقيب، فإن برنامج وسط البلد فاجأني بحضوره الجميل والجاذب، وفقراته التي قتلت وتيرة الملل، التي باتت عنوان تلك المحطة.
ومع تحفظي على بعض أداء الزميل هاني البدري ونصيحتي له أن يخفف من مزحاته، خصوصا بعد أن يتوتر فإن هاني وفريق العمل معه، استطاعوا تقديم جديد نوعي.. في خضم مكرر ممجوج في برنامج البث.
أنا لا أتجنى على هذه المحطة، فقد كنت ذات وطن أردني، قريبا من أزمات التلفزيون الأردني، وأذكر كيف أن إدارة قمعية وبأوامر أمنية لا يمكن ردها قررت فصل معد برامج شاب ومحترف كان يحلم بصحافة تقارير تلفزيونية تنافس أكبر المحطات.
الشاب المفصول حينها باسل العكور، أسس مع عَلم إعلامي كبير موقعا إلكترونيا ثم أسس بعد ذلك منفصلا موقعه الخاص، وهو اليوم من كبار إعلاميي الأردن والعالم العربي.. فخسر التلفزيون وكسب باسل جراء حماقة في الحسابات يجريها جاهل لا يعرف الإعلام، فذهب زبده جفاء، وما ينفع الناس مكث بيننا مبدعا.
حين تهتم الفضائيات الأوروبية بـ«ذيب»
لكن، وعلى طاري الفخر، وسيرته، فيحق لي أن أشعر بالفخر وأنا أتابع فضائيات البلجيك والفرنسيين وعموم أوروبا من حولي وهي تتحدث في تقاريرها الفنية والإخبارية عن اقتراب ترشيح الفيلم الأردني «ذيب» إلى نهائيات حفل الأوسكار السنوي.
يحق لي ذلك، وأنا أدعي انني أعرف شيئا يسيرا من قصة صناعة هذا الفيلم، عبر أصدقاء عملوا فيه وكانوا من طاقم إنتاجه، فحققوا ما قاله بيت الشعر المأثور:
كان حلما، فخاطرا، فاحتمالا.. ثم أضحى حقيقة لا خيالا.
ولعل من منطلقات الإعجاب بالفيلم البسيط في حبكته، الجميل في سرده الفني وإخراجه، أن أبطاله الرئيسيين ليسوا ممثلين أساسا، بل هم من أبناء البيئة المحلية للفيلم، من أبناء البادية الجنوبية في الأردن، وقد أقدم طاقم الفيلم الإنتاجي ومخرجه المبدع على خطوة جريئة وذكية حين قاموا بالاستقرار في المنطقة والعمل على إقامة ورشات تدريب محترفة للممثلين الناشئين لتكون النتيجة عملا احترافيا عالميا، آتت ثماره أكلها اليوم بالوصول إلى نشرات الأخبار في العالم، منافسا على نهائيات الأوسكار.
أنا ممن شاهدوا الفيلم، وفي دار عرض محلية في مدينة «غنت « البلجيكية، وكنت أول الواقفين بعد نهايته وإنارة القاعة بالأضواء، أقف متلفتا متأملا بالوجوه أحاول قراءة الملامح، وأعرض كل ملامح الفخر على صفحة وجهي لعل أحدا يسألني فأجيب: نعم.. أنا من هناك!
* كاتب أردني يقيم في بروكسل
وفي الإعلام الفضائي تحديدا، فإن كل محاولات التلميع وجهود المخرج وطاقم الإعداد وفنيي الغرافيك وكفاءة فريق الماكياج خاصة، لن تجعل عدوا لنفسه بالجهل، إعلاميا وأقصى ما يمكن تحقيق النفع به في حال كانت المحطة ذات حضور قوي وفاعل، أنها تجعل النكرة معروفا، لا معرفا.. وهذا حديث ينطبق على الجنسين، بلا استثناء.
لكن، وفي حالات كثيرة في الإعلام، فإن إعلاميا جيدا، يردفه طاقم إعداد وإخراج فني جيد، قد يكون بحد ذاته قيمة مضافة في محطة ميؤوس منها، على وشك الإنهيار، فيحملها قدر جهده وجهد زملائه إلى قائمة المفضلات بعد أن كادت أن تضيع في مهب القنوات المهملة في غياهب الريسيفر.
بعد أن كتبت ما كتبت في التلفزيون الأردني الرسمي، خصوصا في برامج التنفيع والاسترزاق التي يقدمها التلفزيون المأسوف على تاريخه، فقد وردتني ملاحظة لافتة ممن أثق بحصافتهم أن أتابع برنامج «وسط البلد لكل البلد»، والذي يقدمه الزميل الإعلامي المعتق هاني البدري، سهرة كل يوم أحد.
شخصيا، استغربت عودة الصديق البدري إلى حضن التلفزيون الأردني، لعلمي المسبق بوعيه الإعلامي، وافتراضي اليقيني أنه رجل صاحب شروط مسبقة في الظهور التلفزيوني، أولها الحفاظ على تاريخه كإعلامي له حضوره وتاريخه.
قبل قدوم الأحد، عدت إلى ما تيسر من أرشيف الانترنت، لبرنامج «وسط البلد»، لأتفاجأ أن آخر الحلقات استضافت أحد رموز المعارضة اليسارية الأردنية المحترمين، النقابي المهندس خالد رمضان، وحسب معرفتي بسقف الإعلام الرسمي الأردني، فإن معارضا شرسا مثل خالد رمضان غير موجود أساسا على كوكب الكرة الأرضية، حسب مقاييس قوائم ذلك الإعلام، فاستبشرت خيرا بهاني البدري وبرنامجه «وسط البلد».
ما علينا، وجاء يوم الأحد، وبدأ برنامج هاني البدري والذي يمكن وصفه على الأقل أنه وصفة إنقاذ عاجلة لمحطة تلفزيون مهترئة ذات تاريخ عريق.
بالنسبة لتلفزيون رسمي استمرأ أن يكون بابا خلفيا للمتسلقين من هواة الإعلام، وسقفه لا يتجاوز لمبة السقف في غرفة الرقيب، فإن برنامج وسط البلد فاجأني بحضوره الجميل والجاذب، وفقراته التي قتلت وتيرة الملل، التي باتت عنوان تلك المحطة.
ومع تحفظي على بعض أداء الزميل هاني البدري ونصيحتي له أن يخفف من مزحاته، خصوصا بعد أن يتوتر فإن هاني وفريق العمل معه، استطاعوا تقديم جديد نوعي.. في خضم مكرر ممجوج في برنامج البث.
أنا لا أتجنى على هذه المحطة، فقد كنت ذات وطن أردني، قريبا من أزمات التلفزيون الأردني، وأذكر كيف أن إدارة قمعية وبأوامر أمنية لا يمكن ردها قررت فصل معد برامج شاب ومحترف كان يحلم بصحافة تقارير تلفزيونية تنافس أكبر المحطات.
الشاب المفصول حينها باسل العكور، أسس مع عَلم إعلامي كبير موقعا إلكترونيا ثم أسس بعد ذلك منفصلا موقعه الخاص، وهو اليوم من كبار إعلاميي الأردن والعالم العربي.. فخسر التلفزيون وكسب باسل جراء حماقة في الحسابات يجريها جاهل لا يعرف الإعلام، فذهب زبده جفاء، وما ينفع الناس مكث بيننا مبدعا.
حين تهتم الفضائيات الأوروبية بـ«ذيب»
لكن، وعلى طاري الفخر، وسيرته، فيحق لي أن أشعر بالفخر وأنا أتابع فضائيات البلجيك والفرنسيين وعموم أوروبا من حولي وهي تتحدث في تقاريرها الفنية والإخبارية عن اقتراب ترشيح الفيلم الأردني «ذيب» إلى نهائيات حفل الأوسكار السنوي.
يحق لي ذلك، وأنا أدعي انني أعرف شيئا يسيرا من قصة صناعة هذا الفيلم، عبر أصدقاء عملوا فيه وكانوا من طاقم إنتاجه، فحققوا ما قاله بيت الشعر المأثور:
كان حلما، فخاطرا، فاحتمالا.. ثم أضحى حقيقة لا خيالا.
ولعل من منطلقات الإعجاب بالفيلم البسيط في حبكته، الجميل في سرده الفني وإخراجه، أن أبطاله الرئيسيين ليسوا ممثلين أساسا، بل هم من أبناء البيئة المحلية للفيلم، من أبناء البادية الجنوبية في الأردن، وقد أقدم طاقم الفيلم الإنتاجي ومخرجه المبدع على خطوة جريئة وذكية حين قاموا بالاستقرار في المنطقة والعمل على إقامة ورشات تدريب محترفة للممثلين الناشئين لتكون النتيجة عملا احترافيا عالميا، آتت ثماره أكلها اليوم بالوصول إلى نشرات الأخبار في العالم، منافسا على نهائيات الأوسكار.
أنا ممن شاهدوا الفيلم، وفي دار عرض محلية في مدينة «غنت « البلجيكية، وكنت أول الواقفين بعد نهايته وإنارة القاعة بالأضواء، أقف متلفتا متأملا بالوجوه أحاول قراءة الملامح، وأعرض كل ملامح الفخر على صفحة وجهي لعل أحدا يسألني فأجيب: نعم.. أنا من هناك!
* كاتب أردني يقيم في بروكسل