إقحام مغناة وطنية سعودية على التلفزيون الأردني… وبرامج التجميل تبشعك سيدتي
يدهشني التلفزيون الأردني كل مرة بطريقة اختياراته وانتقاءاته لما يقدمه، خصوصا على الهواء المشاع والفضاء المتاح للجميع.
صباح يوم الثلاثاء، ينبهني صديق عبر رسالة عابرة للمتوسط، إلى المغامرة بسكينة الصباح بل والتضحية بها من خلال مشاهدة ما يبثه برنامج «يوم جديد» الصباحي على شاشة التلفزيون الوطني، الراعي الرسمي لـ «الميرمية».
فعلا، ما شاهدته يجعلني قلقا جدا على ما آل إليه جهاز إعلامي كان محجا في زمن ما قبل الفضائيات لكل مبدعي العالم العربي لينتهي إلى ما يشبه شاشة ترويج ساذجة غير مدفوعة الثمن حتى.
ما الهدف الوطني، والقيمة الإعلامية لاستضافة هواة غناء مع ملحن أردني يرافقهم ضيف سعودي في ستوديو يوم جديد، والحديث «ثم الغناء بطريقة الفويس أوفر» عن مغناة، كما قالوا، مغناة وطنية للمملكة العربية السعودية؟
هدية من الشعب الأردني.. وهذا مما قيل في الحلقة الصباحية التي يتلقفها الأردنيون على الريق، فإذا ابتلع المواطن ريقه من جفاف ما يشاهد، تحشرج الحلق بالأسئلة.
أين طواقم الإعداد في التلفزيون الأردني؟ هل من طواقم مؤهلة أصلا؟ أين مدير التلفزيون؟
على الأقل، إذا كان من فائدة مالية للتلفزيون، فليعلن البرنامج أنه برعاية السفارة السعودية مثلا؟
ما زلت أتأمل خيرا بالأستاذ جورج حواتمة، رئيس مجلس الإدارة للمؤسسة الوطنية المتهالكة، أن يقوم بثورته التي اعتدنا أن يقوم بها وهو المؤهل، مدركا حجم الأدغال البيروقراطية والاشتباكات الإجتماعية التي عليه خوضها واجتيازها للوصول إلى أي تغيير ممكن.
ضاع جمالك سيدتي!
لكن برامج الصباح ليست كلها كذلك، فهناك طواقم إعداد مهنية ومحترفة تعرف ماذا تقدم ولمن توجه الرسالة، مع أهمية إدراكها للتوقيت والزمان المناسبين.
على قناة «دبي» الفضائية، كانت إحدى فقرات البرنامج الصباحي ما عنوانه «أحلى بأي ثمن»، ويتحدث عن سوء استخدام عمليات التجميل والكوارث التي تقع فيها سيدات تحت إغراء الثمن البخس مقابل جودة معدومة. وهذا مهم في ظل تزاحم الفضائيات على تقديم فقرات «جمالك سيدتي» والمحرضة على مزيد من عمليات التجميل والبوتوكس والحشوات في الجسم.
الفقرة البرامجية كانت مثل تحقيق صحافي مصور، وموثق بشكل متوازن، وهذا ما هو مطلوب في الإعلام العربي، الذي تنقصه المهنية غالبا.
مقابل هذه الفقرة، وللصدفة، كان برنامج «صباح الخير يا عرب» على «أم بي سي» وأنا من متابعيه رغم كثرة انتقادي له، يستضيف في فقرته التي تتعلق بـ«جمالك سيدتي» سيدة متكلفة اللهجة والسلوك، تقدم نصائحها للسيدة العربية من المحيط إلى الخليج، وبمصطلحات تكاد لو لم تعرف أنك أمام فقرة عن الكوزمتكس، لاعتقدت أنها أسماء أدوية عسر الهضم.
ليس المقصود مما نقوله هنا أننا ضد الحديث عما يهم قطاعا واسعا من النساء في العالم العربي، خصوصا أن البرنامج صباحي وجل المتابعين ربات منازل، لكن المقصود أن تلك فقرات يجب أيضا معالجتها بإعلام واع وبإعداد من قبل طاقم محترف يعرف ماذا يقدم لجمهوره الواسع والعريض، ولا يخدعه.
وأين توفيق عكاشة؟
أفتقد بصدق حضور رائد الفضاء المحلل توفيق عكاشة، وأحاديثه المتخمة بالهبل الفكري، وبصراحة فإن عكاشة كان منسجما مع نفسه طوال سيرة حياة بثه برفقة مساعدته وسنيدته المفكرة حياة الدرديري (ما أخبارها الآن؟).
توفيق عكاشة كان مقدمة طللية مهمة لنفهم إلى أين يتجه الإعلام في مصر، وإن كنا نعتقد أنه حالة فانتازية فإن قمة الفانتازيا الإعلامية لا تزال ميداليتها الذهبية معلقة على صدر الفضائيات الرسمية المصرية ما بعد عكاشة.
قصة الغرقى وهم بالمئات، من مهاجرين عبر البحر من مصر إلى أي مكان على هذا الكوكب، قصة لو نزلت على جبال الألب لخرت الحكومات الإيطالية والسويسرية والألمانية متصدعة من هولها.. لكن في مصر، وبمعالجة سحرية من إعلامها يصبح الضحايا الهاربون من القهر والمعبأون بكل قهر الدنيا، مجرمين، ومذنبين، ورافضين لنعمة القهر، التي أسبغها عليهم السيسي وحكمه.
التقارير الإخبارية مسرح من المهازل، وبرامج الحوار التي يقودها مذيعون برتب أمنية، ليست أكثر من سكتشات من الملح الحارق على جرح المواطن المصري، وتبريرات نجوم الإعلام في التقارير الصحافية تحاول يائسة أن تضع المسدس في يد القتيل الغارق في موته، لتقول «.. انتحر لوحده بست رصاصات في الرأس!».
ما يحدث في مصر، تتويج لمهزلة الدم في عالمنا العربي.. وترسيخ لسعر الآدمي، وقد وصل إلى ما تحت الصفر بكثير.
أيها المتوسط.. أغرقتك أحلام المقهورين التائهين في قاعك، وأزرقك باهت شاحب.. بلون الموت.
نظرة الإعلام للمهاجرين
على قنوات بلجيكية، نتابع بفخر، قصص مهاجرين عرب ومنهم من لجأوا قبل سنوات قليلة إلى أوروبا، وقد أثبتوا أنفسهم في مجالات عديدة، وصاروا قصص نجاح يوثقها الإعلام الأوروبي بإعجاب.
ما يستفزني هو زاوية الرؤية للاجئين والمهاجرين العرب والتفاوت بين إعلام أوروبي يرى فيهم مواطنين جددا، يشكلون قيمة مضافة ثقافيا واقتصاديا ومعرفيا، وبين بعض الإعلام العربي، الذي ينتج ويبث برامج عن المهاجرين واللاجئين، ويصر دوما على التعاطي معهم كحالات منقوصة الأهلية في المواطنة، أو كأنهم رسائل معبأة في زجاجات ملقاة في البحر ليتلقفها أي شاطىء.
الخلاف في تلك الرؤية أعتقد مرده إلى سوء الفهم في فهم الدولة والمواطنة بمعناهما الصحيح.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل