حوار الصحافي والمسؤول في الأردن.. وكيف تطرد ضيفك على الهواء!
مالك العثامنة
جو 24 :
الصحافي -في المعنى الحرفي للكلمة- هو الذي يملك أدوات تلك المهنة سعيا لتقديم مادة حقيقية للمتلقي، ليس من المطلوب أن يكون سياسيا ولا أن يكون بحرا في العلوم، بل المطلوب منه أن يشتغل بعناية على مادته ويقدمها مكتوبة أو مسموعة أو مرئية. لهذا المتلقي بات اليوم ضائعا في متاهة كونية من الفضاء التلفزيوني أو الالكتروني الملتبك والمتشابك.
من هنا، فإن الفضاء التلفزيوني، الذي أتخم نفسه بنجوم الإبهار، فقد البوصلة كثيرا لتصبح الصحافة آخر أولوياته في الإعداد والتقديم فننتهي بحوارات ولقاءات فضائية لا تقدم أي قيمة مضافة وتتكىء على الإبهار في الإنتاج والديكور والإخراج الفخم، بلا محتوى حقيقي.
أو في الحالات الرديئة للفضاء التلفزيوني الخاضع لأكثر من جهة رقابية من السلطة ننتهي الى حوارات يتم تفصيلها على مقاس الرقيب الرسمي، فيكون ضعيفا والمقدم ببغاء لا أكثر.
في الأردن، الإنتاج الرديء في الإعداد تغول في التلفزيون الرسمي، فلا يمكن لأي برنامج حواري أن يكون جاذبا للمتلقي، الذي تجاوز التلفزيون نفسه بمصادر المعلومات، وفي عالم الإبهار، نجد أن قناة «رؤيا»، التي توسمنا بها خيرا «ولا نزال» تغرق شيئا فشيئا في الشكل دون المضمون، وهي مبدعة في عالم الغرافيك والألوان، إلا أن القيمة المضافة في برامجها وأهمها برنامج «نبض البلد» صارت تنحدر ربما لغايات الحفاظ على القناة، التي تقف على مفترق طرق بين إعلام ترفيهي «ولادي» تحكمه مزاجية الشلة، أو إعلام مرتفع السقف ورزين تمثله برامج مثل «نبض البلد» أو حتى «دنيا يا دنيا».
بين المحطتين، مرة أخرى تبرز يوما بعد يوم محطة «الأردن اليوم»، التي أعترف أني منذ بداية بثها نظرت إليها نظرة الشك والريبة لتخالف توقعاتي عبر استراتيجية ذكية وبسيطة جدا، وهي اصطياد الصحافيين المحترفين في برامجها الحوارية، ورفعها السقف بمنهجية توازن تمنعها من السقوط في شبكة القوانين المتغولة أو الوقوع في فخ التكرار والإبهار والفضائحية.
تابعت الصديق الصحافي «عمر كلاب»، والذي زاملته في مؤسسات صحافية قبل العصر الفضائي، وهو يحاور رئيس الوزراء الأسبق عبدالسلام المجالي عراب اتفاقية «وادي عربة» ورئيس الوفد المفاوض مع إسرائيل فيما بعد مدريد.
المجالي، كان منسجما جدا مع نفسه وتاريخه السياسي، وهذا متوقع في أي حوار معه، لكن اللافت في المقابلة أن مضيفه ومقدم الحلقة صحافي أردني من أصول غزاوية، له تاريخ سياسي قديم مع الفصائل الفلسطينية وأحد مؤسسي الصحافة الأسبوعية في الأردن في فورتها بعد عام 89، وهو يمثل نموذجا لمواطنة أردنية ننادي بها. كانت الخبرة تتحدث في الحوار، خبرة الصحافي، الذي يعرف كيف يقفز برشاقة بين مداخلات تعترض حديث ضيفه بدون قطع ولا إزعاج، ومحاولات جره الى ما يريد المتلقي أن يعرفه أكثر، وخبرة السياسي المحنك المفاوض، الذي لا يريد للحوار أن يخرج عن سكته التي يريدها هو لا غير.
تلك نقطة تسجل لقناة «الأردن اليوم».. وأعتقد أن «رؤيا»، التي نحبها قادرة لو أرادت أن تحسم ترددها وتدفع بالنخبة المهنية فيها للانطلاق نحو آفاق حرة أكثر.
الدراما السورية بعيدا عن الاصطفافات
منحاز أنا للدراما السورية دوما، وأكره تلك الحوارات في تصنيف نجومها على إيقاعات ما يحدث في سوريا، وعمليا أستمتع بالعمل السوري المبدع، بعيدا عن الاصطفافات، وما زلت مقتنعا أن الكوميديا السورية هي القمة في كل ما شاهدت من كوميديا، ولا أراها تتراجع بل تتطور، ولعلها بلغت القمة في وحدة ثنائي كاتب ومخرج هما الدكتور ممدوح حمادة والمخرج ليث حجو، الأول أستاذ أكاديمي مقيم في روسيا منذ زمن طويل، ويعطي عصارة ذاكرته ومعرفته في دراما كوميدية عبقرية، والثاني إبن مدرسة فنية بحد ذاتها، ابن الراحل عمر حجو، المؤسس الحقيقي لمسرح الشوك الكوميدي، والشريك الحقيقي للراحل الكبير نهاد قلعي.
الثنائي خرق السقف قبل سنوات بإنتاج كوميديا «ضيعة ضايعة» بجزأيه، وقد قفزا إلى أجواء كوميدية بإسقاطات عبقرية في هذا العمل، مما ظلم عملهما العبقري التالي، مسلسل «الخربة» وقد كان عبقرية متجددة في التحليق.
حسب برامج الفنون، فإن الثنائي الآن في مراحل تصوير في تونس، لعمل سوري كوميدي جديد اسمه «الواق واق»، والتوقعات حول العمل المقبل في الموسم الرمضاني المقبل كبيرة، وحسب ما شاهدنا من كواليس تصوير في برنامج «إي تي بالعربي»، فإن العمل يحمل إسقاطات سياسية على الواقع العربي مثقلة بالرموز، وهو ما صرت أخاف منه، فالمفروض أننا غادرنا الرمزية في عصر تكنولوجيا المعلومات إلى غير رجعة، لكن لن نحكم قبل أن نرى، ونتمنى لتوقعاتنا الخير.
ظاهرة طرد الضيوف
وفي سياق الحديث عن صناعة الإبهار في الفضاء التلفزيوني العربي، فإن هناك ظاهرة بدأت تنتشر في برامج الحوار الفضائي، وهي طرد الضيف، ويبدو أنها تقليعة جديدة باتت مدروسة ومتعمدة للفت انتباه صانعي الأخبار إلى البرنامج، الذي عادة ما يكون مغمورا بمقدم مغمور، فيصبح بعملية طرد ضيفه مشهورا وحديث الأخبار. بعد صدمتنا بالمغمورة المسكينة مروج إبراهيم وتصرفها غير اللائق والمعيب مع ضيفها أستاذ التاريخ، نجد أن قناة العاصمة المصرية وفي برنامج اسمه الشارع المصري ومذيع مغمور اسمه.. او فليبقى مغمورا فلن نذكر اسمه، قام بتقليعة الطرد لمهندس مصري صاحب فكرة تتعلق بتحديد النسل، فعارضته أزهرية ما في البرنامج فطرد ضيفه.
سنصل إلى مرحلة ما في برامج الحوار بدل أن يستهل فيها المقدم كلامه بقوله «نستضيف الليلة معنا السيد او السيدة فلان وفلانة» إلى مرحلة يقول فيها «ومعنا الليلة ممن سنطردهم لاحقا بعد قليل السادة فلان وفلانة».. أو في مقاطع الفقرات نسمع «تابعونا بعد الفاصل، كيف نطرد ضيوفنا»!- (القدس العربي)
* الكاتب إعلامي أردني يقيم في بروكسل