jo24_banner
jo24_banner

«تلفزيون المملكة» و«تلفزيون الأردن» ودور الإعلام في تنميط الإرهاب: مجزرة لاس فيغاس مثلا!

مالك العثامنة
جو 24 :
كثيرا ما كتبنا هنا منتقدين أداء التلفزيون الرسمي الأردني، ودوما كنا نرفق النقد باستذكار تاريخ هذه المؤسسة، التي كانت ذات يوم (مثل كثير من المؤسسات الوطنية) ذات سمعة رفيعة المستوى.

وحين تغير مجلس إدارة التلفزيون قبل أكثر من عام، توسمنا التغيير الإيجابي بحضور إعلامي محترف مثل جورج حواتمة، على رأس المجلس، لكن يبدو أن الضغوط ومنهجية التخريب أكبر من شخص واحد، مهما بلغت احترافيته، فبدون إرادة سياسية حقيقية ترفد جهد الإدارة وتدعمها فلن يتغير شيء بالمطلق، وما نراه على أرض الواقع هو تخريب متعمد وممنهج تقف وراءه قوى متنفذة تختبئ خلف الملك نفسه، وتلك القوى نفسها وبلا أي تفسير منطقي ارتأت ابتكار فكرة الضربة القاضية للتلفزيون بإنشاء محطة تلفزيونية جديدة تم تخصيص عشرة ملايين دينار لها من موازنة المملكة في عملية هدر واضح للمال العام بدل رفد التلفزيون القائم بالمال والخبرات والأهم بالإرادة الجادة لإصلاحه.

الأسبوع الماضي، وبجهود فريق محترف، ورغم غياب الدعم الحقيقي والجاد، كان هناك تطور «تقني وفني» في التلفزيون الأردني، ورغم أني لست متابعا بالمطلق لأي مباريات كرة قدم في الدوري الأردني، الذي أعتبره ملعب حسابات سياسية أكثر منه ملعب كرة قدم، إلا أنني ابتهجت لقدرة التلفزيون الأردني على تقديم خدمة البث الحي على «الفيسبوك» و«الانترنت» في قناته الرياضية، وحسب ما علمت من صديق مطلع ومن أصحاب تلك الريادة التطويرية، فإن فريقا محترفا يحاول أن يجتهد في تقديم الأفضل للتلفزيون الأردني، وقد حاورته حول أهمية تطوير المحتوى الإعلامي، بالتماهي مع تطوير الأدوات الفنية والتقنية ففهمت منه أن هذا يتطلب أكثر من جهود فريق متحمس ومؤهل بالمعرفة.

ما يفهم أن هناك خطة ممنهجة للوصول إلى نقطة حرجة للتلفزيون الأردني يصبح فيها عدمه مساويا تماما لوجوده، فيتم إغلاقه مثلا، لصالح محطة جديدة يرى النخبويون الذين يقفون وراءها أنها تمثلهم (ليس مهما أن تمثل الأردن)، واستطاعوا في لعبة العلاقات العامة التي يتقنونها ان يستدرجوا كاتبا مشهورا إلى قيادة تلك المحطة (ومع احترامي فالكاتب فهد الخيطان لا يملك أدنى تجربة في الصحافة التلفزيونية غير الظهور كضيف ومحلل)، مع مجلس إدارة غير متفرغ بكامل أعضائه، منهم وزير الخارجية الحالي.

يقال إن المحطة الجديدة سترفد نفسها بكفاءات كانت ضحية التجربة الفاشلة لمحطة «العرب»، التي يملكها الوليد بن طلال، وهذا بحد ذاته إعادة إنتاج ممسوخة لتأسيس قناة «الجزيرة»، التي استفادت أول نشأتها من تجربة «بي بي سي» الأولى الفاشلة في المملكة العربية السعودية.

السؤال الذي قيمته عشرة ملايين دينار، لماذا لا يتم رفد التلفزيون بالعشرة ملايين تلك؟ ولماذا لا يتم تجيير تلك الإرادة السياسية بكل جدية لتطوير التلفزيون، وإعادته إلى سابق مجده؟

أم هل سيبقى التلفزيون الأردني المأسوف على شبابه محطة الأردنيين دافعي الضرائب، والمحطة الجديدة هي لنخبة القرار الهمايوني؟

فضائيات عربية تتنفس الصعداء

حتى في بعض الإعلام العربي كان هناك سقوط في فخ تنميط الإرهاب وربطه بدين وعرق محددين، وذلك على خلفية الجريمة الإرهابية، التي وقعت في لاس فيغاس الأمريكية، وقد كانت الساعة الأولى من الخبر ساحة تكهنات بعمومها تشير إلى إرهاب عربي – إسلامي ما في مدينة القمار الأمريكية.

بعض فضائيات العرب، ومع ظهور أول معلومات المجرم، الذي ارتكب المجزرة، بدأت بالتراجع عن تسمية الحادث بالإرهابي، كأن هناك نمطية معينة لتسمية جريمة مرعبة كتلك بالإرهاب.

لا أيها السادة، هو إرهاب، ففعل الإرهاب تم وقوعه، والمجرم إرهابي أرهب الناس وقتلهم.

طبعا، لا نكترث لما قيل إنه بيان من «داعش» تتبنى فيه العملية، فداعش صارت هوايتها تبني أي جريمة دموية ولا أستغرب بيانا منها بأثر رجعي تتبنى فيه مصرع هابيل ابن آدم على يد أخيه قابيل.

لكن، المشكلة في تلك الذهنية الجماعية، التي صارت تربط الإرهاب بعرق محدد، كما أن المشكلة كذلك في عقلية الإرهاب، التي تشمت بالقتل حين يكون الضحايا خارج العقيدة أو الطائفة أو الهوية.

في حادث لاس فيغاس المأساوي والإرهابي بامتياز، كنا أمام حالتين متناقضتين من التعاطي السلبي والمريض أمام الجريمة، فمن جهة كانت الفضائيات وإعلاميو «التوك شو» يتوجسون أن يكون الحادث إرهابيا، وهذا معناه أن يكون المجرم عربيا أو مسلما، وحين ظهر أن المجرم كان أمريكيا ظهرت علامات الارتياح وتوصيفات لجريمة أنها عادية وليست إرهابية، وهذا مثير ومستهجن، فمن وجهة نظر الضحية باعتقادي فإن التصنيف يصبح سخيفا.

من جهة أخرى كان هناك وكالعادة في وسائل التواصل الاجتماعي، النافذة البديلة للأغلبية الصامتة والمرعبة بصمتها، كانت هناك شماتة بالجريمة الإرهابية، بل ابتهاج وتلبيس الجريمة لبوسا داعشيا من خلال تبريرها بغضب الله على الكفار!! هذا التشفي والابتهاج المريض يكفي لجعل داعش تتبنى الجريمة.

لقد استطاع الإعلام العالمي (والعربي بلا وعي) أن ينمط الإرهاب بهوية، وكل مقولات «الإرهاب لا هوية له» تصبح عبثا يجتره الإعلام أمام واقع إعلامي لا يعالج الخبر بموضوعية ويعيد للمفردات معانيها الصحيحة.

نحن أمام إرهاب دموي يتواطأ فيه الإعلام أيضا، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، والإعلام المشغول بوعي صار حالة نادرة هذه الأيام.


* إعلامي أردني يقيم في بروكسل


(القدس العربي)
  • «تلفزيون المملكة» و«تلفزيون الأردن» ودور الإعلام في تنميط الإرهاب: مجزرة لاس فيغاس مثلا!
تابعو الأردن 24 على google news