ضيوف الفضائيات ثلاثة في واحد.. والإعلامي الأردني الشامل.. ووحدة نقل خارجي بحجم الكف
مالك العثامنة
جو 24 :
أعتقد أن ما كان ظاهرة في السابق، صار قاعدة الآن لأغلب الفضائيات، التي تنتج وتبث برامج الحوار السياسي. وأقصد هنا قاعدة «الضيف الشامل» ثلاثة في واحد. وأحيانا أكثر من عشرة في واحد، فالضيف يكون محللا سياسيا وعالم اقتصاد وضليعا في علم الإجتماع، غير أنه الأهم من ذلك خبير في العسكرية، وربما يتعدى علمه إلى النجوم والأفلاك أحيانا، مما يؤهله أن يكون بين عالم في وكالة «ناسا» و«قارئ فنجان»، ضاربا في الرمل،عرافا على منهجية إعلامية يضعها هو لا غيره.
كصحافي أعمل في مجال الإعلام لفترة أعتقد أنها كافية لتجعلني قادرا على أن أحكم بما هو حرفي وغير حرفي، أعرف أن القنوات المحترمة في غرف الإعداد تضع أسماء لذوات متخصصين كل حسب محاور معرفته، التي يدرسها المعد المحترف جيدا قبل أن يقرر أن فلانا هو المطلوب على الهواء!
في قنوات عربية تمت صياغتها على أساس القص واللصق، القاعدة مختلفة، فلا حرفية ولا مهنية ولا تخصص… يكفي أن يستضيف المعد (وهو عادة موظف بالقطعة أو على البرنامج) أي ضيف يرتأيه ويتركه بين يدي مذيع هو الآخر يريد تعبئة ساعة الهواء بأي هراء لننتهي بضيف شامل المعرفة، بحر في العلوم، محيط في المعلومات… لا يقهره سؤال ولا يعجزه استفسار، يطيح بكل علامات السؤال بطريقة القفز فوق الحواجز بسرعة حديث تتجاوز الستين كلمة في الدقيقة، مع كثير من الانفعال… واستخدام مفردات مثل «أعتقد..» و «بلا شك أنه..» وغيرها من عبارات احتكار الحقيقة.
وفي هذا يورد دكتور العلوم السياسية حسن البراري ملاحظة لفتت انتباهي عبر فيها عن تلك الظاهرة فاقتبس منه ما نصه: «بوب ودوارد، الصحافي الأمريكي الشهير، الذي كان يعمل لصحيفة «واشنطن بوست» هو من أجرى تحقيقا استقصائيا كشف من خلاله فضيحة «ووترغيت»، كنت أحد حضور محاضرة له في واشنطن عام 2005، وفي المحاضرة أجاب على أسئلة كثيرة بما يلي «يا ريت لو كنت أعرف».
ليلة أمس كنت أشاهد برنامجا حواريا استضافوا فيه صحافيا أقل من عادي، لم يكتف بتقديم إجابات خاطئة ومعلومات وأرقام غير صحيحة، بل أجاب على كل شيء، وفي النهاية ألمح بأن الوقت لم يسعفه لتقديم المزيد! قلت الحمد لله انتهى البرنامج!
الأردني مُحلل في كل شيء
لكن… ورغم أن الظاهرة عربية عامة شاملة، إلا أنني – كأردني – أنتبه إلى الزملاء وغير الزملاء الأردنيين ممن تستضيفهم الفضائيات العربية إما متحدثين ثابتين أو ضيوفا على برامج حوارية سياسية.
أما الثابتون، فأفضل نماذجهم هو على قناة «العربية» السيد صالح القلاب، الوزير الأسبق، والكاتب القديم في صحف الفصائل الفلسطينية في بيروت، ثم الكاتب في صحف الحكومة الأردنية بعد سنوات من إلقاء بندقية النضال القومي.
لم أستطع أن أكمل حلقة من حلقات القلاب على «العربية»، وأستغرب أن شبكة ذكية جدا مثل «أم بي سي» ما زالت تستخدم «بروباغاندا» مدرسة «برافدا» السوفييتية، بالإعلام الموجه غير الذكي المباشر، والذي لا أعتقد أنه قادر على إقناع طفل في السادسة من عمره الآن.
استحضار الحكايا، ومحاولات التوثيق مهارة تميز بها الراحل محمد هيكل، وإعادة إنتاجها بهذه الصورة المشوهة، تشويه لا لهيكل وحسب، بل للمحطة ذاتها.
أما الضيوف الأردنيون على برامج الحوار، فغالبا ما يقعون في مطب «الشمولية المعرفية» كأن بهم خجلا من قول «لا أعرف»، وإذا انحشر أحدهم في زاوية سؤال لا يعرف إجابته، قفز إلى أسهل وسيلة دفاع عرفها تاريخ الحوار، وهي: دعني أسألك في المقابل..إلخ!
هي سمة يمتاز بها العربي عموما حتى لا نكون مجحفين. والأردني – كما كثير من عرب المشرق والمغرب- عموما يتميز بأنه موسوعي «انسيكلوبيدي» منفتح منغلق قومي، اقليمي، أممي، شوفيني، إنساني، تكفيري، ليبرالي، تعددي.. أردوغاني غيفاري ثوري محافظ… كله في الوقت نفسه، ما لم يمتلكه شعب في العالمّ !
وأغلب الأردنيين ممن عندهم «فيسبوك» صاروا يعتبرون أنفسهم من فئة كاتب وصحافي وإعلامي ومحلل.
والصحافي الأردني المستجد حديث العهد في المهنة في كثير من الأحيان يتحول إلى كاتب ويحمل لقب إعلامي أو محلل بسرعة «فضائية» مدهشة، فيعتبر نفسه نخبة كل ما تم ذكره أعلاه!
وهات حلها مع هيك شعب… وهيك أمة.
وسائط التواصل تطغى على التلفزيون
أخطر ما في وسائل التواصل الإجتماعي هو تطورها المتسارع إلى درجة أن محاكاة الواقع أصبحت مدهشة إلى حد منافسة قنوات الأخبار الفضائية.
«فيسبوك» مثلا، أضاف إلى غرفة عملياته، فكرة البث التلفزيوني المباشر، وهكذا فأنت قد تكون بمركز حدث ما في أي بقعة على هذا الكوكب، وبانترنت هاتفي جيد، قد تبث للعالم كله بالصوت والصورة والتعليق، الذي تراه من وجهة نظرك طبعا، هذا الحدث قبل أي وكالة أنباء أو محطة في العالم.
زمان… قبل عصر الفضائيات، كانت مباريات كرة القدم هي أكثر ما يتم نقله مباشرة على التلفزيون… وكانت الشارة أو المذيع في نهاية المباراة يقدم شكره لوحدة النقل الخارجي، وكنا نرى أحيانا في مواقع المباريات أو الأحداث وحدة النقل الخارجي تلك… عبارة عن شاحنة كبيرة متخمة بالأسلاك والأجهزة الثقيلة والمعدات والفنيين.
اليوم… وحدة النقل الخارجي كلها صارت في كف اليد… لكن من يتعامل معها قد يكون أي شخص… وأي شخص يعني الحذر في تلقي المعلومة… هكذا بدون تدقيق، وهنا الطامة الكبرى.-(القدس العربي)