jo24_banner
jo24_banner

في وداع الدكتور عبدالرحيم ملحس.. الفارس الذي افتقدناه

أ. د. محمد الحموري
جو 24 : منذ سنين عدداً، عرفت الراحل الكبير الدكتور عبدالرحيم ملحس، صاحب القامة الوطنية التي تحاكي في علوها سوامق الأشجار. لكني لا أذكر رقم السنوات، فقد جمعتني به وحدة المبدأ الذي يجعل الشعب مصدراً للسلطة، وأن تكون مجالس النواب مجسدة لإرادة أبناء الوطن، والحكومات خادمة لشعبها وليست سيدة عليه. لكن هذا المبدأ وما يستوجبه، كان يصطدم بواقع مؤلم، لا صلة له بما تفرضه نصوص الدستور من أحكام.

وبانتمائه المطلق لشعبه ووطنه، حاول الفارس الراحل أن يخدم شعبه ووطنه بما يؤمن به. فاكتشف، وهو على كرسي الوزارة، أن مصالح المتنفذين وتزاوج "البزنس" مع السلطة، أوصلت الحال إلى أن تُستورد للأردنيين القمامة وفضلات الشعوب! فأعلن ثورته في وقت كانت الرؤوس فيه تنحني، والنفاق على أشده، والأقلام المادحة والمتكسبة بالكلمة معروضة في أسواق المتاجرة والمزاد، لتنال من صاحب المبدأ والموقف والرأي. فغادر الوزارة رافع الهامة، ليحتضنه الناس إكباراً وإجلالاً، ويصبح عندهم أكبر من الكراسي والمناصب التي رضخ من أجل البقاء عليها كثيرون.

وكنا على تواصل لا ينقطع، نتباوح في شؤون الوطن وهمومه، أبدي إعجابي بكل مقال يكتبه، ويفعل ذات الأمر باتصاله معي. حتى وصلنا إلى مرحلة قال لي فيها: لقد آن الأوان لأن تتحول المقالة إلى صوت يدوي في مجلس النواب. فقلت له: لن تحتاج إلى جهد للوصول إلى مجلس النواب، فشعبنا وفيٌ ويعرف الصادقين بانتمائهم إليه.

لن أنسى حديثه وتحليله المسؤول لأوضاع الوطن، وكيفية الخروج من تردي أحواله، في عشاء في منزله دعا إليه دولة الأستاذ فيصل الفايز وأربعة آخرين كنت أحدهم، ونوعية حماسه وتدفق اقتراحاته، بكل لياقة وأدب جم، ومدى استيعابه لحقوق الأردنيين وحرياتهم الدستورية، وتألمه من التغول عليها.

ودخل الفارس مجلس النواب من غير عناء التعامل مع الدعايات التي يبذلها غيره. وهناك، كانت صدمته أكبر من حد الوصف. فقد وجد أن المجلس النيابي الذي يخطب فيه، ويقدم ما عنده من عصارة فكر وثقافة وتوجهات، ليس هو المشرّع الذي تتحدث عنه الدساتير، وإنما المشرّع موجود هناك خارج المجلس، حيث تؤخذ القرارات، ويتم تبليغها لمن يرفع الأيدي بالموافقة تحت القبة، دون أن يقرأ أو يعلم هذا الذي وافق عليه. ورغم الآلام التي كان يسببها له ذلك، إلا أن صوته واحتجاجاته لم تخفت، وظل فارساً شجاعاً كعهد شعبه به.

أيها الحبيب الذي افتقدناه، ارقد في مهجعك الأخير قرير العين، فصوتك داخل مجلس النواب وفي منتديات الأردن، أصبح يتردد صداه في أربعة أركان الوطن، تحمله الآلاف المؤلفة التي سكنْت وجدانها. وإذا كنت لم تشهد على الواقع تطبيق ما ناديت به، فلا تبتئس، فقد غادرتنا بعد أن انكسر حاجز الخوف بحضورك، والأمر أصبح مسألة وقت فقط، ولن يطول الانتظار، لأنه ليس هناك سلطة أكبر أو أقوى من الشعب.

رحمك الله أيها الشجاع، فقد سبقت رفاقك إلى المنزل السرمدي. ولكن ثق بأن بعضاً من الرفاق الذين سيلحقون بك تباعاً إلى جوار الواحد الديان، سوف ينقلون إليك النبأ العظيم، بأن الشعب في الأردن قد أصبح مصدر السلطة الحقيقية، لا شكلاً ولا ديكوراً، وأن حفنة المتاجرين بأقداره قد تم سوقهم للحساب العسير.

أسكنك الله فسيح الجنان أيها الراحل العزيز.


(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير