من أجل هذا الوطن وأناسه أقول للحكومة وسلطة التشريع..
أ. د. محمد الحموري
جو 24 :
أيها السادة أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية الأكارم،
في ضوء مسؤوليتكم عن هذا الوطن وشعبه، فإنني عملاً بحقي المستمد من المادة 17 من الدستور، أضع أمامكم الحقائق التالية، وأطالبكم بممارسة صلاحياتكم وتحمل المسؤولية بشأنها:
1-لقد جرى العمل لدى الحكومات ومجالس التشريع المتعاقبة على أن تضع نصاً في القوانين التي تصدرها على النحو التالي:
"لا يُعمل بأي نصٍ ورد في أي تشريع آخر إلى المدى الذي يتعارض فيه مع أحكام هذا القانون"
وفي بعض الأحيان تبدأ صيغة النص بـــ "على الرغم مما ورد في أي تشريعٍ آخر..."
وأحدث مثالٍ على ذلك، ما نسّبته الحكومة ومرره مجلسا النواب والأعيان قبل يومين في المادتين (4/ه ، 21/ب) من قانون إدارة قضايا الدولة.
إن مثل هذه النصوص التي تدرجونها أيها السادة في قوانين المملكة، تُلغي إلغاءاً كلياً أو جزئياً أعداداً من النصوص في نظامنا القانوني لا يعرف عددها ومضمونها إلا الله سبحانه وتعالى. وأعتقد جازماً أنه في بعض الموضوعات فإن القاضي أو المحامي أو من يدرّس القانون، يقف حائراً وهو يتساءل ويبحث عن النصوص التي تم إلغاؤها وتلك التي لا تزال على قيد الحياة. ومن حيث المبدأ، فإن هذا الأسلوب يجعل من العسير على الناس معرفة نصوص القوانين التي تحكمهم.
2-أما من الناحية الدستورية، فإن الوسيلة الوحيدة لإبلاغ الأردنيين بالتشريع الذي يحكمهم من أجل سريانه بحقهم، هو نشر التشريع في الجريدة الرسمية. وفي هذا نصت المادة (93/2) من الدستور على أن:
"يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية"
وبموجب هذا الحكم الدستوري الملزم أقول:
أ-إذا كانت النصوص القانونية التي تهدفون إلى إلغائها أو تعديلها كلياً أو جزئياً وفق النهج الذي تتبعون، غير معروفةٍ لكم أو لغيركم، وغير منشورةٍ في الجريدة الرسمية، فمن غير الممكن أن تسري بحق الأردنيين نصوصٌ لم تعلموهم بها كما أوجب الدستور، والقول بغير ذلك يخالف بالقطع حكم الدستور الذي ذكرنا نصه.
ب- ثم أنه ليس من اللائق أن تطلبوا من الملك، إصدار ما يُلغي أو يُعدّل نصوصاً في نظامنا القانوني، دون أن يعرف ما هي هذه النصوص، ودون أن يطلعه صاحب الاختصاص على مدى مخالفتها للدستور؛
3-وفوق ما سبق، فإنه بالنسبة للأجانب الذين يفكرون بالاستثمار في الأردن، فإنهم يسألون مستشاريهم القانونيين في الخارج، حول مراكزهم في النظام القانوني الأردني ومدى الحماية التي تقدمها النصوص لهم ولاستثماراتهم. ومن واقع تجاربٍ مررت بها فإن المحامي الأجنبي يسأل نظيره في الأردن عن ما يريد أن يعرفه المستثمر، وهنا أؤكد أنه في بعض الحالات فإن النص سابق الذكر، لا يُمكّن من إعطاء جواب حاسم بهذا الشأن، وتكون المحصلة عزوف المستثمر عن الاستثمار في الأردن. وتساءلت أكثر من مرة كيف يحدث هذا في وطنٍ لا يترك ملكه فرصةً إلا ويدعو رجال الأعمال للاستثمار في بلده.
4-لقد تم طرح هذا الموضوع في اجتماعات اللجنة الملكية لوضع ميثاق النزاهة، ووضعت اللجنة نصاً في الميثاق يؤكد على:
"ضرورة تجنب النص التشريعي على الرغم مما ورد في أي تشريعٍ آخر"
لكن ما ورد في الميثاق الذي أعلنه بالأمس جلالة الملك في احتفالٍ ضاقت مدرجات قاعة الاحتفالات في المدينة الرياضية رغم اتساعها عن استيعاب أعداده، أقول إن ما ورد طواه النسيان، مع أن حبره لم يجف بعد.
5-إن الوضع البديهي عند أي مشرّع في دول العالم، هو أن يبين في أي قانون يصدره، ما هي النصوص التي يريد أن يعدّلها أو يلغيها على وجه التحديد في النظام القانوني لدولته. ولهذه الغاية فإنه في كل دولة هناك جهاتٍ متخصصة ومسؤولة لتحديد ما تريد الدولة أن تستغني عنه من النصوص، وتبينها على وجه الحصر في التشريع الجديد الذي تصدره. وقد نبّهت لهذا الأمر في اجتماعات اللجنة الملكية للنزاهة، وكان لابد من تأكيدٍ حسمه الميثاق بنصٍ على ضرورة:
"وجود أجهزة فنية مساعدة لدى كلٍ من مجلس الوزراء ومجلس النواب ومجلس الأعيان، تتوافر فيها أعلى درجات التخصص في ضبط التشريعات مضموناً وصياغةً وتناسقاً"
أيها السادة:
يكفي ما فات، وأرجوكم الالتزام بدستورنا وبميثاق النزاهة الذي عليكم تطبيقه، وبالبناء على أي عملٍ إيجابيٍ فعله من جاء قبلكم، والتفكير الدائم بالكيفية التي تقدم فيها هذه الخدمة، وفق نظامنا الدستوري والقانوني على أفضل وجهٍ ممكن.
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.