البحث عن الحقيقة
لعل البحث عن الحقيقة من أهم ما يتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات ، إذ أنه يتميز في تكوينه العقلي والقلبي عن سائر المخلوقات ، فإنه يدرك أكثر غيره ، ويتأثر أكثر من غيره ، وإنه مكلف من الله أكثر من غيره ، لهذا يميز عن سائر المخلوقات بالبحث للوصول إلى الحقيقة.
ولكن يا ترى... ما هي الحقيقة ؟ وما مدى الحاجة إليها ؟
الحقيقة: هي الصدق في تعارضه مع الكذب ، والواقع في تعارضه مع الوهم.
وعكسها: الكذب أو الزيف أو الوهم .
وأما عن مدى الحاجة إليها - فإن السلوك البشري سواء كان دينياً أو دنيوياً فإنه لا يحقق مراده إلا إذا بني على الحقيقة.
في الواقع إن الوصول إلى الحقيقة ليس أمراً سهلً ، ذلك أنه لا يعود إلى جمع المعلومات فقط ، بل يتعدى إلى صدق هذه المعلومات من جانب وفهما وتوجيهها من جانب آخر ، ثم إن الحقيقة التي تبنى على التجربة العملية تكون أرسخ في الإثبات من غيرها.
وبما أن الحقائق في هذا الكون متعددة ، ومتعدد طرق الوصول إليها ، فإنني سؤجه مسار هذا الموضوع إلى الحقائق التي تخص بيئة المسلم تؤثر على سلوكه سلباً أو إيجاباً وتبنى عليها النزاعات أو الصداقات.
ابتداء يجب العلم أن لكل "وجود" "وجود" ضده .
فالحقيقة ضدها الزيف ، والصدق ضده الكذب ، والحق ضده الباطل ، والإسلام ضده الكفر ، والقيم السوية ضدها القيم الفاسدة ....وهكذا ، وأن كل ضد ينازع ضده لإثبات ذاته ، وهذا مفاده في إثبات بعض الحقائق والنزاعات ، وهذه النزاعات في أغلب الأحيان ناتجة عن مصالح مادية أو معنوية أو تقليد أعمى - مجرد سلوك-.
وهنا لابد أن نُشير أن الناس في تبني المواقف والنزاعات على قسمين : قسم يتبنى عن قصد ودراية ، وقسم مُقلد لغيره دون دراية .
فالقسم الأول - يتمثل بالأنظمة العالمية التي ترسم السياسات وفق إستراتيجية تحقق لها مصالحها ، أو من بعض الأحزاب أو الجماعات ، والقسم الثاني يتمثل من أصحاب الثقافات المتدنية أو الضعفاء من عامة الشعوب.
وهذا يعني أن أكثر النزاعات إنما هي صنيعة السياسات العالمية لتحقيق مكاسب وغايات ، لم تبنى على أية حقيقة - بمفهوم الحقيقة التي عرفناها أعلاه - ، ثم بعد ذلك تلتقمها الشعوب كما تلتقم الطعام وهي لا تدري إن كانت لمصلحتها أم لمصلحة غيرها .
فإذا فهم هذا جيداً ... فإنه يتعين على كل مسلم -يحترم عقله ويخشى على إسلامه-
أن يعيد النظر في الكثير من المواقف والنزاعات التي قد تكون بنية على غير الحقيقة ، ولا يرضى أن يُساق وراء نزاعات ليس له بها أدنا مصلحة ، وإنما بنية لمصالح غيره ، وقد تكون تتعارض مع دينه وخلقه.
لقد آن الأوان أن يُعرف من هو العدو وكيف يخطط ، ومن هو الصديق وإن كان ضعيف ، وعلى أي مفهوم تقوم الصداقة والعداوة ، وبعد ذلك تتحول هذه الشعوب إلى قادة تصنع المواقف وتقود البشرية.