النزاعات مقتلٌ للطاقات
إن الأمة اليوم تعيش واقعاً جديداً يظهر به بوادر الأمل من هنا وهناك ، وهذا يتمثل في التصدي لأهل الباطل بالسنان والقلم واللسان وغير ذلك.
ولكن في مواصلة هذه الطريق فإن الفرد أو المجتمع قد يتعرض إلى بعض المخاطر والتي قد تتسبب في إعاقته ، ومن أهمها وأعظمها ، ذلك المرض الذي قد يفتك بها إلا هو "النزاع".
وهذا مما لاشك فيه أنه يحول النصر إلى هزيمة ، والقوة إلى ضعف ، والسبب في ذلك ، أن الفرد أو المجتمع ينشغل كل الانشغال داخلياً ، ويهمل جميع العناصر الخارجية التي قد يؤتى من خلالها ، ويعمي كذلك عن النظر في مآلات الأمور وعواقبها وما يمكن أن تقوده في المستقبل القريب نحو تحقيق الهدف.
إن هذا الصراع الداخلي للأمة الذي قد يكون أفتعلهُ عدوها بها ، يوشك أن يوقع في نفوس الفرد والمجتمع الهزيمة النفسية والإحباط المميت.
ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا هو السبب الرئيسي لهزيمة الأمة سابقاً ومتأخراً ، إذ إنه مصدر قوة عدوها عليها ، بل إن هذا "النزاع" أشدُ من المدافع والطائرات.
لقد سبق للأمة أن حققت انتصاراً عظيماً وأوشكت قريباً أن تحقق تغييراً حقيقياً ولكنها في كل مرة تقع في نفس الحرج ونفس المرض في اللحظات الأخيرة.
وهذا "النزاع" قد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسّنة فأعطنيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطنيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها (صحيح مسلم 4/2216 رقم2890) .
ولكن هذا لا يعني أنه لا مخرج ولا عاصم من هذه الخلافات ، بل قد أمرنا الله عز وجل بضدها فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
إن أخشى ما يُخشى اليوم على هذه الأمة ، أن تستمر في نزاعاتها ، فتفشل ويذهب ريحُها ، أو يخطف منها عدوهم النصر في اللحظات الأخيرة ، وتذهب كل الجهود بلا ثمرة حقيقية ، فيفرح عدوها بهذه الهدية التي قُدمت له على طبق من ذهب.
وفي أغلب الأحيان يكون سبب النزاعات على بعض النتائج الأولية التي قد تغتر بها الأمة.....
ولا يفهم من هذا الخطاب ، تسويغ الأخطاء أو أن نقبل بها كما هي ، لا ... ولكن المقصود هو إمعان النظر بهذه الخلافات جيداً وإعطائها قدرها من الجهد والطاقات ، وخاصة إذا كان على حساب التقدم نحو الهدف الأعظم.