المسيرة وما بعدها
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : لم نشاهد حشداً أردنياً بهذا العدد، وبهذا الزخم في الأردن من قبل، فقد فاق ذلك الحشد التاريخي في بداية التسعينيات لنصرة العراق، وكل المحاولات التي تحاول اللجوء إلى تقديرات باهتة لعدد المحتشدين إنّما تهدف، عن قصد مع سبق الإصرار، إلى إعاقة وصول رسالة الحشد بوضوح وبلاغة إلى أصحاب القرار وإلى الأطراف المعنية كلها، مع تفاوت دورها وتأثيرها في الحياة السياسية.
ولو أخذنا المعدل بين التقدير الأقل وتقدير المنظمين الأعلى، أو حسب معادلة الزميل "أبو خليل" فستبقى النتيجة محلاً للدرس والعبرة، وستبقى قادرة على إرسال رسالة جديدة بمضمونها وشكلها، ولها ما بعدها، وينبغي لنا جميعاً أن لا نكفّ عن البحث عن الوسيلة الفاعلة التي تصنع التوافق على تشخيص مصلحة الوطن، والتوافق على تحقيقها، والسعي المشترك نحو الخلوص من المأزق السياسي والاقتصادي الذي نعترف به جميعاً.
نجاح فعالية يوم الجمعة قام على ركيزتين قويتين، الأولى تتعلق بالمنظمين وقدرتهم على الحشد، وضبط ايقاع التجمع الكبير، حيث لم يخرج عمّا تمّ التخطيط بشأنه. والثانية تتعلق بأجهزة الأمن التي استطاعت أن تقوم بدورها بكفاءة مصحوبة بالانضباط المتميز والصمت اللافت للانتباه، ممّا يعطي مؤشراً قوياً على قدرة الأطراف المعنية على وقف العبث والتخريب، ومنع البلطجة المسيئة، ووضع حد حازم وجازم للتصرفات المخربة والموجهة نحو إعاقة العملية الإصلاحية تحت رعاية بعض المتنفذين، كما حصل في سلحوب والمفرق وأماكن أخرى خلال الأشهر السابقة، إن أرادت ذلك.
مسيرة يوم الجمعة كانت ناجحة بكل المقاييس، فقد أعادت رسم الخريطة السياسية للشعب الأردني بوضوح، وأظهرت القوى السياسية وفقاً لحجمها الحقيقي، ممّا سيؤدي حتماً إلى تمايز المعسكر الإصلاحي من حيث جوهره وعموده الفقري، وكل القوى الحية الحقيقية التي تخدم فكرة الإصلاح وتدعمها وتلتف حولها والحريصة كل الحرص على تمكين الشعب الأردني من اللحاق بركب الإصلاح والحرية والكرامة والديمقراطية، وبين معسكر الفساد ومن يقوم على تماسكه وبقاء منظومته وحمايته والالتفاف حول شخوصه، وتبرير أفعاله وديمومة استئثاره بالسلطة والمقدرات، إضافة إلى معسكر الصامتين والمتفرجين وهو الأكبر والأضخم عدداً.
ما بعد المسيرة أهمّ من المسيرة نفسها، لأنّها لا تعدو أن تكون وسيلة للتعبير وايصال الرسالة البليغة، وتكمن المشكلة في محاولة الامتناع عن استلام الرسالة أو إعاقة وصولها أو تشويهها من خلال الحُجّاب والبوابين الذين أصبحت مهمتهم حجب الحقائق عن صاحب القرار، ومنع وصول الرسائل المعبرة عن نبض الشعب، والحيلولة دون سماع أنّات الشعب المكبوتة وصيحات المخلصين من أبنائه، الذين يتمتعون بالولاء والانتماء الحقيقي لهذا الوطن، ويملكون الاستعداد للتضحية، ولديهم رصيد هائل من القوّة الكامنة، ومخزون كبير من الوعي والصدق الفطري الذي يؤهلهم لحماية الوطن، وحماية مقدراته، وبناء الدولة الحديثة، بعيداً عن منطق أصحاب الأجندات الشخصية، الغارقين في همّ الإثراء على حساب الشعب، والسطو على المال العام، وتعظيم أرصدتهم الشخصية.
الإسلاميون ومنظومة الحراك الشعبي المتسع والممتد على رقعة الوطن، معنيون بالتفكير في القدرة على تنظيم صفوفهم بطريقة أكثر فعالية، وقدرة في البحث عن الوسائل الجديدة، ومعنيون بتحويل هذه الأنشطة الجماهيرية الحاشدة، إلى منجزات سياسية، تصب في رصيد متراكم نحو تمكين الشعب الأردني من أن يكون مصدراً للسلطات بشكلٍ حقيقي وواقعي، وتمكين الشعب الأردني من بناء دولته، وحماية مقدراته، واسترجاع أمواله من بين أيدي عصابات اللصوص، وقطاع الطرق، التي نمت وترعرعت في ظل غياب الشعب أو تغييبه عن المشاركة في القرار وتحمّل المسؤولية، من خلال تزوير إرادته، والعمل على ايجاد مجالس نواب هزيلة، لا تمثل الشعب ولا تعبر عن إرادته وعاجزة عن القيام بمهامّها الدستورية ؛ بل أصبحت محطات غسيل للفساد وتبرئة الفاسدين وحمايتهم من الملاحقة القانونية، وإغلاق الملفات الساخنة، وإصباغ الشرعية على التصرفات الباطلة.
نحن أمام محطة فاصلة ومرحلة جديدة، تحتاج إلى تفكير جديد، ووسائل جديدة، وأشخاص جدد، وتشريعات جديدة، ومنهجية جديدة في إدارة الدولة والمؤسسات والموارد؛ من أجل الحفاظ على الدولة، ونظامها واستقرارها، وأمنها وازدهارها، وبغير ذلك سوف نخسر جميعاً، ويخسر الوطن والشعب عندما نخسر الزمن.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم
ولو أخذنا المعدل بين التقدير الأقل وتقدير المنظمين الأعلى، أو حسب معادلة الزميل "أبو خليل" فستبقى النتيجة محلاً للدرس والعبرة، وستبقى قادرة على إرسال رسالة جديدة بمضمونها وشكلها، ولها ما بعدها، وينبغي لنا جميعاً أن لا نكفّ عن البحث عن الوسيلة الفاعلة التي تصنع التوافق على تشخيص مصلحة الوطن، والتوافق على تحقيقها، والسعي المشترك نحو الخلوص من المأزق السياسي والاقتصادي الذي نعترف به جميعاً.
نجاح فعالية يوم الجمعة قام على ركيزتين قويتين، الأولى تتعلق بالمنظمين وقدرتهم على الحشد، وضبط ايقاع التجمع الكبير، حيث لم يخرج عمّا تمّ التخطيط بشأنه. والثانية تتعلق بأجهزة الأمن التي استطاعت أن تقوم بدورها بكفاءة مصحوبة بالانضباط المتميز والصمت اللافت للانتباه، ممّا يعطي مؤشراً قوياً على قدرة الأطراف المعنية على وقف العبث والتخريب، ومنع البلطجة المسيئة، ووضع حد حازم وجازم للتصرفات المخربة والموجهة نحو إعاقة العملية الإصلاحية تحت رعاية بعض المتنفذين، كما حصل في سلحوب والمفرق وأماكن أخرى خلال الأشهر السابقة، إن أرادت ذلك.
مسيرة يوم الجمعة كانت ناجحة بكل المقاييس، فقد أعادت رسم الخريطة السياسية للشعب الأردني بوضوح، وأظهرت القوى السياسية وفقاً لحجمها الحقيقي، ممّا سيؤدي حتماً إلى تمايز المعسكر الإصلاحي من حيث جوهره وعموده الفقري، وكل القوى الحية الحقيقية التي تخدم فكرة الإصلاح وتدعمها وتلتف حولها والحريصة كل الحرص على تمكين الشعب الأردني من اللحاق بركب الإصلاح والحرية والكرامة والديمقراطية، وبين معسكر الفساد ومن يقوم على تماسكه وبقاء منظومته وحمايته والالتفاف حول شخوصه، وتبرير أفعاله وديمومة استئثاره بالسلطة والمقدرات، إضافة إلى معسكر الصامتين والمتفرجين وهو الأكبر والأضخم عدداً.
ما بعد المسيرة أهمّ من المسيرة نفسها، لأنّها لا تعدو أن تكون وسيلة للتعبير وايصال الرسالة البليغة، وتكمن المشكلة في محاولة الامتناع عن استلام الرسالة أو إعاقة وصولها أو تشويهها من خلال الحُجّاب والبوابين الذين أصبحت مهمتهم حجب الحقائق عن صاحب القرار، ومنع وصول الرسائل المعبرة عن نبض الشعب، والحيلولة دون سماع أنّات الشعب المكبوتة وصيحات المخلصين من أبنائه، الذين يتمتعون بالولاء والانتماء الحقيقي لهذا الوطن، ويملكون الاستعداد للتضحية، ولديهم رصيد هائل من القوّة الكامنة، ومخزون كبير من الوعي والصدق الفطري الذي يؤهلهم لحماية الوطن، وحماية مقدراته، وبناء الدولة الحديثة، بعيداً عن منطق أصحاب الأجندات الشخصية، الغارقين في همّ الإثراء على حساب الشعب، والسطو على المال العام، وتعظيم أرصدتهم الشخصية.
الإسلاميون ومنظومة الحراك الشعبي المتسع والممتد على رقعة الوطن، معنيون بالتفكير في القدرة على تنظيم صفوفهم بطريقة أكثر فعالية، وقدرة في البحث عن الوسائل الجديدة، ومعنيون بتحويل هذه الأنشطة الجماهيرية الحاشدة، إلى منجزات سياسية، تصب في رصيد متراكم نحو تمكين الشعب الأردني من أن يكون مصدراً للسلطات بشكلٍ حقيقي وواقعي، وتمكين الشعب الأردني من بناء دولته، وحماية مقدراته، واسترجاع أمواله من بين أيدي عصابات اللصوص، وقطاع الطرق، التي نمت وترعرعت في ظل غياب الشعب أو تغييبه عن المشاركة في القرار وتحمّل المسؤولية، من خلال تزوير إرادته، والعمل على ايجاد مجالس نواب هزيلة، لا تمثل الشعب ولا تعبر عن إرادته وعاجزة عن القيام بمهامّها الدستورية ؛ بل أصبحت محطات غسيل للفساد وتبرئة الفاسدين وحمايتهم من الملاحقة القانونية، وإغلاق الملفات الساخنة، وإصباغ الشرعية على التصرفات الباطلة.
نحن أمام محطة فاصلة ومرحلة جديدة، تحتاج إلى تفكير جديد، ووسائل جديدة، وأشخاص جدد، وتشريعات جديدة، ومنهجية جديدة في إدارة الدولة والمؤسسات والموارد؛ من أجل الحفاظ على الدولة، ونظامها واستقرارها، وأمنها وازدهارها، وبغير ذلك سوف نخسر جميعاً، ويخسر الوطن والشعب عندما نخسر الزمن.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم