الغارة الإسرائيلية على العاصمة السودانية
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : تشنّ "إسرائيل" غارتها الجوية الرابعة على السودان، وفي هذه المرّة خصّت بغارتها العاصمة "الخرطوم"، ومن دون ضجة عربية أو إسلامية أو عالمية، وأصبحت الغارات "الإسرائيلية" على العواصم العربية شيئاً عاديّاً مألوفاً، فهذه ليست العاصمة العربية الأولى التي يتمّ انتهاك حرمتها، فقد سبق للطيران "الإسرائيلي" أن دمّر المفاعل النووي العراقي في بغداد، كما سبق للجيش "الإسرائيلي" احتلال بيروت، كما أقدم على تدمير المفاعل النووي السوري ـ تحت الإنشاء ـ وقامت الطائرات الإسرائيلية بالتحليق المنخفض فوق القصور الرئاسية السورية في دمشق من قبيل الإذلال المقصود، كما انتهك العدوّ الإسرائيلي حرمة العاصمة الأردنية "عمّان" عندما أقدم على تنفيذ محاولة الاغتيال لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل، كما نفذت عناصر الموساد "الإسرائيلي" عملية اغتيال "المبحوح" أحد قادة حماس في قلب "دبي" الإماراتية، وهناك عمليات اغتيال عديدة نفذتها "إسرائيل" ضد قادة منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً في عواصم الدول العربية، وعلى رأسهم أبو جهاد، وأبو إياد، وأبو الهول، ومن قبلهم كمال عدوان، وماجد أبو شرار، كما نفذت عمليات كوماندوز وعمليات اغتيال في عواصم غربية وأفريقية، مثل قبرص وعنتيبي وغيرها.
الغريب في الأمر أنّ هذه الغارات وهذه العمليات كانت تتم دون معارضة أو اشتباك، ولا حتى إطلاق المضادات الأرضية، كما لم يتمّ إطلاق صواريخ "سام" الروسية التي تملكها بعض الدول العربية التي تعرضت لمثل هذه الانتهاكات الصارخة والاعتداءات الوقحة، ورجعت الطائرات إلى أوكارها سالمة، وعادت فرق الاغتيال دون أن تخسر عنصراً واحداً.
أمّا الأمر الأشد غرابة في هذه الموضوع الذي يستعصي على الفهم، هو محاولة التكتم التي تبديها الدول العربية إزاء هذه الأعمال العدوانية، والامتناع عن الإدلاء بتصريحات شفافة حول هذه الانتهاكات، وعدم إثارة ضجة إعلاميّة أمام الرأي العام على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وتلقي الأمر بنوع من البلادة الحسيّة والسياسيّة التي تتناقض مع الفطرة السليمة، إذ لم يتمّ دعوة الجامعة العربية للانعقاد، ولا محاولة جمع منظمة المؤتمر الإسلامي، ولا قمة عدم الانحياز، ولا دعوة مجلس الأمن، حتى مجرد الدعوة ولو من باب " الزعبرة" الإعلامية.
ولو كان هناك أدنى درجات الإحساس بالمسؤولية والكرامة لدى الزعماء العرب الذين يتمّ انتهاك عواصمهم فعليهم أن يقدموا استقالاتهم لشعوبهم معتذرين عن عدم قدرتهم على توفير الحماية لهم، إذا لم يكونوا قادرين على الرد على العدوان الأجنبي.
إنّ الاعتداء على أية عاصمة "عربية" يُعدّ اعتداءً على كلّ عواصم العرب، وإنّ انتهاك حرمة أية بقعة على الأرض العربية يمثل عدواناً على كل العرب، ولذلك يجب على كل الزعماء بلا استثناء أن لا يصمتوا على مثل هذه الاعتداءات وكأنّها لا تعنيهم، وأخصّ بالذكر هناك رئيس أكبر دولة عربية (مصر)، إذ يجب عليه أن يسارع إلى إعلان الرفض المصري وبناء حالة عربية موحدة رافضة لهذه الأعمال العدوانية، وأن يدعو الجامعة العربية للانعقاد من أجل اتخاذ موقف عربي صارم يترتب عليه القيام باتخاذ خطوات عملية متدرجة، مستندة إلى ميثاق الجامعة العربية وميثاق الدفاع المشترك، تبدأ بإلغاء "المعاهدات" السلمية والسياسية والتجارية التي تمّ عقدها مع هذا الكيان العدواني، الذي لا يحترم المواثيق الدولية، ولا يلتزم بالحدّ الأدنى من قواعد التعامل الإنساني.
إنّ الحكمة والتعقل والانضباط الذي مارسه الزعماء العرب تجاه الكيان المحتل طوال أربعين عاماً، لم يثمر إلاّ مزيداً من الغطرسة، ومزيداً من الاستمرار بعقدة التفوق وممارسة الإذلال الجمعي لكلّ العواصم العربية، ولكلّ الشعوب العربية، القريبة والبعيدة عن الكيان الصهيوني، من خلال الغارات الجوية على العواصم العربية، ومن خلال تنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية في العمق العربي، ومن خلال الاحتفاظ بالأرض المحتلة، ومن خلال الاعتداءات الممنهجة على القدس والمسجد الأقصى، ومن خلال الإعلان عن تهويد الضفة الغربية والجولان والقدس، ومن خلال الاستمرار بمصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات.
أعتقد أنّ الشعور بالإذلال وانتهاك الكرامة لدى الشعوب العربية، يُعدّ من أقوى عوامل الثورة الداخلية ضد الأنظمة العربية المتهاوية، العاجزة عن حماية شعوبها وأرضها وأجوائها وعواصمها.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)
الغريب في الأمر أنّ هذه الغارات وهذه العمليات كانت تتم دون معارضة أو اشتباك، ولا حتى إطلاق المضادات الأرضية، كما لم يتمّ إطلاق صواريخ "سام" الروسية التي تملكها بعض الدول العربية التي تعرضت لمثل هذه الانتهاكات الصارخة والاعتداءات الوقحة، ورجعت الطائرات إلى أوكارها سالمة، وعادت فرق الاغتيال دون أن تخسر عنصراً واحداً.
أمّا الأمر الأشد غرابة في هذه الموضوع الذي يستعصي على الفهم، هو محاولة التكتم التي تبديها الدول العربية إزاء هذه الأعمال العدوانية، والامتناع عن الإدلاء بتصريحات شفافة حول هذه الانتهاكات، وعدم إثارة ضجة إعلاميّة أمام الرأي العام على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وتلقي الأمر بنوع من البلادة الحسيّة والسياسيّة التي تتناقض مع الفطرة السليمة، إذ لم يتمّ دعوة الجامعة العربية للانعقاد، ولا محاولة جمع منظمة المؤتمر الإسلامي، ولا قمة عدم الانحياز، ولا دعوة مجلس الأمن، حتى مجرد الدعوة ولو من باب " الزعبرة" الإعلامية.
ولو كان هناك أدنى درجات الإحساس بالمسؤولية والكرامة لدى الزعماء العرب الذين يتمّ انتهاك عواصمهم فعليهم أن يقدموا استقالاتهم لشعوبهم معتذرين عن عدم قدرتهم على توفير الحماية لهم، إذا لم يكونوا قادرين على الرد على العدوان الأجنبي.
إنّ الاعتداء على أية عاصمة "عربية" يُعدّ اعتداءً على كلّ عواصم العرب، وإنّ انتهاك حرمة أية بقعة على الأرض العربية يمثل عدواناً على كل العرب، ولذلك يجب على كل الزعماء بلا استثناء أن لا يصمتوا على مثل هذه الاعتداءات وكأنّها لا تعنيهم، وأخصّ بالذكر هناك رئيس أكبر دولة عربية (مصر)، إذ يجب عليه أن يسارع إلى إعلان الرفض المصري وبناء حالة عربية موحدة رافضة لهذه الأعمال العدوانية، وأن يدعو الجامعة العربية للانعقاد من أجل اتخاذ موقف عربي صارم يترتب عليه القيام باتخاذ خطوات عملية متدرجة، مستندة إلى ميثاق الجامعة العربية وميثاق الدفاع المشترك، تبدأ بإلغاء "المعاهدات" السلمية والسياسية والتجارية التي تمّ عقدها مع هذا الكيان العدواني، الذي لا يحترم المواثيق الدولية، ولا يلتزم بالحدّ الأدنى من قواعد التعامل الإنساني.
إنّ الحكمة والتعقل والانضباط الذي مارسه الزعماء العرب تجاه الكيان المحتل طوال أربعين عاماً، لم يثمر إلاّ مزيداً من الغطرسة، ومزيداً من الاستمرار بعقدة التفوق وممارسة الإذلال الجمعي لكلّ العواصم العربية، ولكلّ الشعوب العربية، القريبة والبعيدة عن الكيان الصهيوني، من خلال الغارات الجوية على العواصم العربية، ومن خلال تنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية في العمق العربي، ومن خلال الاحتفاظ بالأرض المحتلة، ومن خلال الاعتداءات الممنهجة على القدس والمسجد الأقصى، ومن خلال الإعلان عن تهويد الضفة الغربية والجولان والقدس، ومن خلال الاستمرار بمصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات.
أعتقد أنّ الشعور بالإذلال وانتهاك الكرامة لدى الشعوب العربية، يُعدّ من أقوى عوامل الثورة الداخلية ضد الأنظمة العربية المتهاوية، العاجزة عن حماية شعوبها وأرضها وأجوائها وعواصمها.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)