من قرية صويلح الى 39000 الف قدم
الكابتن اسامة شقمان
جو 24 :
* الجزء الاول
منذ سنوات خلت، كانت فكرة كتابة صفحات من حياتي، تراودني، وكنت أبدو متردداً في كثير من الأحيان، لعدة أسباب، كان أبرزها ضيق الوقت وصعوبة التفرغ لمثل هذا العمل الذي يحتاج الى جهد متواصل، الأمر الذي كان يتقاطع مع طبيعة عملي، أضف الى ذلك أن تجربة مرّ عليها نحو أربعة عقود من الزمن، ليس من السهولة أن تُختزل وتُكتب على عجلٍ، الى ان جاء القرار أخيراً، بأن أبدأ متوكلاً على الله توثيق هذه الصفحات في عنوان وجدت فيه من الشمولية التي آمل أن تحيط بجميع جوانب حياتي منذ مولدي حتى إعداد هذا الكتاب.
وإنني لأجد ضرورة أن يعكف الانسان على كتابة تجربته، التي ان قيست بما أنجزه صاحبها، باتت جزءاً من تجربة الوطن الذي ينتمي إليه، وهكذا كنا والحمد لله، طيلة السنوات التي تشرفت فيها بخدمة الوطن والأمة، أقصد وجه الله وراحة الضمير، وخدمة قيادتنا الهاشمية التي آمنت على الدوام أن البناء عملية مشتركة مناطة بكل مواطن تبعاً لموقعه أنّى كان.
من قرية صويلح الى 39 ألف قدم، أوراق فيها من مراحل حياتي التي تعيدني الى ذكريات الطفولة وأيام الصبا، والشباب، أقدمها للقارئ عسى أن يجد فيها العدة والعتاد، ليقف على جملة حقائق في هذه الحياة ولعل في مقدمتها، تلك الارادة القوية والعزيمة الصلبة التي يجب أن يتحلى بها الانسان إذا ما أراد أن يرتقي سُلّم النجاح، وكيف عليه أن ينقل الظروف التي يجد نفسه بها لا سيما في مراحل الدراسة وما يواجهه من تحديات قد تحول دون مواصلته مشواره الأكاديمي، وفي هذا المقام سيجد القارئ الكريم كيف تمكنا بحمد الله من قلب التحديات الى فرص في كثير من تلك المحطات.
وأنا أكتب صفحات من حياتي، أقول: إن جميعها صفحات على ذات المسافة من نفسي، كنت أشعر بفخر واعتزاز في كل واحدة منها، وفي جردة حساب سريعة، كان الصدق، والاستقامة، والموضوعية، ومحبة الناس، هي هاجسي في الوصول الى ما وصلت إليه، فكنت دائماً على قناعة بأن الناس سواسية وأن ألأصدقاء هم أوتاد ضاربة في أعماق الأرض تعين على النجاح والتفوق والفلاح، وإذا كان فضل الله علي عظيم، فإنني أحمد سبحانه، ان ألقى علي محبة الناس من كل حدب وصوب من داخل وخارج المملكة الأردنية الهاشمية.
سيجدني القارئ الكريم، توقفت على سرد الكثير من الذكريات التي عايشتها بالتزامن مع أحداث كبيرة مرت بها الأمة العربية، بالاضافة الى تطورات نوعية شهدها وطننا الحبيب لاسيما في مجال الطيران، الذي قادني الى الاطلاع على تجارب عالمية أغنت تجربتي في هذه الحياة.
ان ما يقوم الانسان بكتابته عن سيرته حياته، يصبح في مرحلة ما جزء من تاريخ وطن، لذا فإنني أهيب بكل صاحب تجربة أكاديمية، او طبية، أو سياسية، أو اقتصادية، وما شابه، أن يبادر الى تدوين تجربته لتغني مكتبتنا الوطنية، وتقدم لأجيالنا القادمة نماذج من تجارب ناجحة، وقصص كان أصحابها رجال ما لانت لهم قناة ولا وهن فيهم العزم، فحققوا ما أرادوا.
تعود جذوري العائلية الى إحدى عائلات القفقاس، وهي عائلة شقمان، وجدّها الأكبر شقمان – جرى - – قبلن – اسلأن – تيمبوت – موسى – وتبى – بكمرزا، ومن هذه العائلة خرج الشاب بكمرزا، المولود عام 1893، في بلدة اسمها Warvan ، ورفان، تقع في شمال القفقاس، وفي العام 1912، غادر القرية طلباً للعلم، ورغبة في تعلم ومعرفة أصول الدين الإسلامي الحنيف، تاركاً وراءه الأهل والمال والوطن، وكان حينها يبلغ من العمر تسعة عشر ربيعاً.