البطالة والشباب في الأردن: التحديات وآفاق الحلول
الكابتن اسامة شقمان
جو 24 :
تعد مشكلة البطالة في الأردن من القضايا الحاسمة التي تؤثر بشكل خاص على الشباب، وهم الفئة الأكثر حاجةً لفرص العمل لضمان استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي. تواجه هذه الفئة صعوبة كبيرة في الحصول على وظائف ملائمة تلبي احتياجاتهم الأساسية في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، مثل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى ضعف الدعم الحكومي في رفع معدل الدخل الشهري. يعاني العديد من الشباب الأردنيين من رواتب متدنية تبلغ حوالي 260 ديناراً، وهي قيمة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية كالإيجار والغذاء في ظل ارتفاع الأسعار المستمر.
تشكل البطالة في الأردن تحدياً كبيراً نتيجة تداخل مجموعة من العوامل الهيكلية والاقتصادية، ومنها:
ضعف النمو الاقتصادي: يعاني الاقتصاد الأردني من تباطؤ النمو، خاصةً مع ازدياد الدين العام الذي يجعل الدولة أقل قدرة على تنفيذ مشاريع تنموية توفر فرص عمل. هذا الوضع الاقتصادي أثر على قدرة الحكومة والقطاع الخاص على خلق فرص عمل كافية للشباب.
التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة: يعاني المواطن الأردني من تضخم مستمر في الأسعار، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية. ويشكل الراتب الشهري الحالي (حوالي 260 ديناراً) عقبة أمام الشباب لتحقيق حياة كريمة، إذ لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية. ويتردد صانعو القرار في رفع الأجور بما يتماشى مع التضخم، ما يزيد من إحباط الشباب.
ضعف الاستثمار في التعليم التقني والمهني: يفتقر النظام التعليمي الأردني إلى التركيز على المهارات التي يحتاجها سوق العمل. يتم توجيه الشباب غالباً نحو التعليم الأكاديمي دون تعزيز المهارات التقنية والمهنية، مما يؤدي إلى عدم مواءمة الخريجين مع احتياجات سوق العمل الفعلي.
اعتماد الاقتصاد على القطاعات التقليدية: تعتمد فرص العمل في الأردن بشكل رئيسي على القطاعات التقليدية مثل الزراعة والخدمات الحكومية. وقد تكون هذه القطاعات غير قادرة على استيعاب العدد الكبير من الخريجين، ما يجعل السوق غير كافٍ لامتصاص القوى العاملة المتزايدة.
التردد في الإصلاحات الاقتصادية: تتردد الحكومة في تطبيق إصلاحات اقتصادية تهدف إلى زيادة دخل المواطن، مثل رفع الحد الأدنى للأجور أو تقديم دعم مباشر للقطاعات المتأثرة بالتضخم. كما أن الزيادات المحدودة التي تطرأ على الرواتب لا تتماشى مع ارتفاع الأسعار، مما يؤدي إلى تراجع مستوى المعيشة، خاصة بين فئة الشباب.
تتسبب البطالة وضعف الدخل في مجموعة من الآثار السلبية على الشباب الأردني والمجتمع ككل، ومنها:
الإحباط واليأس: مع عدم كفاية الرواتب وعدم توفر فرص العمل المناسبة، يعاني العديد من الشباب من مشاعر الإحباط وفقدان الأمل، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشاكل نفسية وصحية.
الهجرة: يشهد الأردن تزايداً في معدلات هجرة الشباب بحثاً عن فرص عمل أفضل في الخارج. وهذا النزيف في الطاقات والكفاءات يضر بالاقتصاد الوطني ويزيد من الاعتماد على العمالة الخارجية.
العبء الاجتماعي والاقتصادي: يؤدي انتشار البطالة بين الشباب إلى زيادة الاعتماد على العائلات والمجتمع لتغطية نفقات الحياة الأساسية، ما يزيد من العبء الاجتماعي على الأسر الأردنية ويؤثر على استقرارها.
ضعف الحراك الاقتصادي: يؤدي انخفاض القدرة الشرائية إلى تراجع الطلب على السلع والخدمات، مما يؤثر سلباً على الشركات الصغيرة والمتوسطة ويزيد من تباطؤ الاقتصاد.
في مواجهة هذه التحديات، تواجه الحكومة الأردنية عدة عقبات تعيق تحسين الأوضاع الاقتصادية، ومنها:
التردد في رفع الحد الأدنى للأجور: بالرغم من المطالبات المتكررة برفع الأجور، تتردد الحكومة في اتخاذ خطوات ملموسة لرفع الحد الأدنى إلى مستوى يغطي الاحتياجات الأساسية. هذا التردد يزيد من معاناة الشباب ويضعف من قدرتهم على تحقيق حياة كريمة.
الاعتماد على الدعم الخارجي: يعتمد الاقتصاد الأردني بشكل كبير على الدعم الخارجي والمساعدات المالية، ما يضع قيوداً على الاستقلال الاقتصادي ويؤثر على قدرة الحكومة على وضع خطط تنموية مستقلة.
نقص الاستثمارات الأجنبية والمحلية: يعاني الأردن من ضعف في استقطاب الاستثمارات بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية الإقليمية، مما يؤدي إلى تراجع فرص العمل الجديدة التي يمكن أن يستفيد منها الشباب.
لمعالجة مشكلة البطالة بشكل فعّال، من الضروري تطبيق استراتيجيات طويلة المدى تركز على تهيئة بيئة عمل مناسبة للشباب، ومنها:
رفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع التضخم: على الحكومة مراجعة الحد الأدنى للأجور بانتظام ليواكب التضخم، وذلك لضمان مستوى معيشة لائق للمواطنين. يجب أن يتم رفع الدخل الشهري بحيث يغطي تكاليف الحياة الأساسية ويمكّن الشباب من الاعتماد على أنفسهم.
تعزيز التعليم المهني والتقني: يجب تطوير المناهج الدراسية في المدارس والجامعات بحيث تركز على المهارات التقنية والمهنية المطلوبة في سوق العمل، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير تدريب عملي يؤهل الشباب للحصول على فرص وظيفية مجدية.
تشجيع ريادة الأعمال: دعم الشباب لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة عن طريق تقديم التمويل والتوجيه، ما سيسهم في خلق فرص عمل جديدة خارج الإطار التقليدي ويشجع الابتكار في المجتمع.
تحفيز الاستثمارات: تحسين بيئة الاستثمار في الأردن لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وذلك من خلال توفير حوافز ضريبية وتخفيف القيود التنظيمية، مما يعزز من فرص العمل المتاحة للشباب.
تنويع الاقتصاد: يجب تشجيع الاستثمارات في القطاعات الناشئة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة والسياحة العلاجية، ما يخلق فرصاً جديدة للشباب ويعزز من قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات.
إن مشكلة البطالة في الأردن، وما يتبعها من تدني الدخل والتضخم، تشكل تحدياً كبيراً أمام الشباب الأردني الذي يحتاج إلى دعم متكامل لضمان استقراره وتحقيق تطلعاته. إن تحقيق نهضة اقتصادية تحتاج إلى إصلاحات حقيقية وشاملة تشمل رفع الحد الأدنى للأجور، وتعزيز التعليم المهني، وتحفيز ريادة الأعمال، ودعم الاستثمارات. ومن خلال ذلك، يمكن للأردن أن يخطو نحو مستقبل مستدام يحقق تطلعات شبابه، ويؤسس لبيئة اقتصادية واجتماعية مستقرة.
.