ما هو الفرق بين الاستعمار الخارجي والداخلي؟
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : لقد ثارت الشعوب العربية والإسلامية على القوى الاستعمارية التي اجتاحت بلادهم في السنوات السابقة، واستطاعت أن تخوض حروب الاستقلال رغم حالة العجز والارتباك والضعف وقلة ذات اليد التي كانت تسود الوطن والعالم الإسلامي بمجمله، وتمكنت من تحقيق الانتصارات وطرد القوات المستعمرة، بعد أن قدمت مهراً غالياً من الدماء والأشلاء والشهداء..
ثورة الشعوب على المستعمر اشتعلت هذا الاشتعال بسبب مجموعة من الأسباب والعوامل التي دفعتهم إلى تنظيم أنفسهم وتشكيل قوة مقاومة حقيقية على الأرض وفي الميدان، ومن أهم هذه الأسباب أن القوة الاستعمارية عمدت إلى استخدام العنف والقوة في إخماد أنفاس الناس وفرض سيطرتهم بالحديد والستار، كما عمدت إلى انتهاك حقوقهم وحرياتهم والدّوس على كرامتهم، والاستيلاء على مقدراتهم ونهب خيراتهم وقتل أبنائهم واغتصاب نسائهم، وفوق كل ذلك كانت تمزج سلوكها بالغطرسة والاستعلاء والاستخفاف بالجماهير المسحوقة، وتتعامل معهم وكأنهم كائنات دونيّة أقرب إلى الحيوانات، تستخدم لأعمال السخرة والأعمال الشاقة، دون إبداء الاكتراث بصحتهم ومستقبلهم.
أغلب الشعوب العربية إن لم تكن كلها التي تحررت من ربقة الاستعمار الأجنبي وقعت في براثن الاستبداد الداخلي، الذي مارس ويمارس كل أساليب الاستعمار الأجنبي من استخدام القوة والعنف في بسط سيطرته على الخلق، ويقيم السجون ويعتقل الأحرار، ويصادر الحريات، ويستولي على المقدرات وينهب الخيرات، ويقتل ويدمّر ويسفك الدماء من أجل الحفاظ على السلطة، وينتهج سياسة التخويف والرعب، ويعتمد أساليب إثارة النزاع والفرقة بين مكونات الشعب، ويمارس سياسة الاستعلاء والغطرسة والاستخفاف بالجماهير، واحتقار مطالبهم بالحرية والديموقراطية والكرامة واستعادة السلطة، فما هو الفرق عندئذٍ بين الاستعمار الأجنبي والاستعمار الداخلي، سوى إتقان لغة الخطاب باللسان العربي والتمترس حول خطاب الثورة على الاستعمار، وجعجعة المقاومة والتصدي للاحتلال بلا مضمون وبلا حقيقة، فالقتل هو القتل، والسجن هو السجن، والعبودية هي العبودية، والنهب هو النهب والتعذيب هو التعذيب، والاحتقار هو الاحتقار والاستخفاف هو الاستخفاف..
بقي هناك فارق كبير وخطير، يتمثل بأن المستعمر والمحتل الأجنبي لا يستطيع إخفاء حقيقته، ولا يستطيع خداع الجماهير واستغفالهم، بينما المستعمر الداخلي المتمثل "بالمستبد" يستطيع ممارسة الخداع والتضليل، ويستطيع إتقان لعبة الاستغفال عبر الخطابات الثورية، ومن خلال التستر بأردية المقاومة والممانعة والتصدي، ويستطيع التلاعب بعواطف العامة، ويكون أكثر قدرة على التمثيل وأكثر قدرة على كسب الوقت، والأمر الأكثر خطورة أن المستعمر الداخلي يستطيع فبركة تهم الخيانة والتعامل والتخابر مع الأجنبي التي تستحق عقوبة الإعدام والنفي من الأرض والحياة.
المحصلة والنتيجة التي توصلت إليها الشعوب المقهورة بعد طول عناء أن المستعمر الداخلي أكثر خطورة وأشد وطأة عليها، لأنه عندما يمارس القتل وحرب الإبادة ضد شعبه يصبح ذلك شأناً داخلياً، ومن السهل تكييف ذلك بالحرب على الإرهاب ومن أجل القضاء على العصابات الإجراميّة والمتطرفة التي تسترضي الرأي العام الأجنبي والعالمي؛ فمحاربته أصعب من محاربة المستعمر ومواجهته أشد من مواجهة الاحتلال الأجنبي.
المشكلة الحقيقية تكمن بالمضلِّلين (بكسر اللام المشدّدة) أكثر مما تكمن بالمضلَّلين (بفتح اللام المشدّدة) الذين اعتاشوا على المستبد وبنوا ثقافة الاستعمار الداخلي، وصاغوا حياتهم وعقولهم في غياب حريّة الشعوب، وغياب مشروعها الحضاري، وتغييب هويتها الثقافية.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)
ثورة الشعوب على المستعمر اشتعلت هذا الاشتعال بسبب مجموعة من الأسباب والعوامل التي دفعتهم إلى تنظيم أنفسهم وتشكيل قوة مقاومة حقيقية على الأرض وفي الميدان، ومن أهم هذه الأسباب أن القوة الاستعمارية عمدت إلى استخدام العنف والقوة في إخماد أنفاس الناس وفرض سيطرتهم بالحديد والستار، كما عمدت إلى انتهاك حقوقهم وحرياتهم والدّوس على كرامتهم، والاستيلاء على مقدراتهم ونهب خيراتهم وقتل أبنائهم واغتصاب نسائهم، وفوق كل ذلك كانت تمزج سلوكها بالغطرسة والاستعلاء والاستخفاف بالجماهير المسحوقة، وتتعامل معهم وكأنهم كائنات دونيّة أقرب إلى الحيوانات، تستخدم لأعمال السخرة والأعمال الشاقة، دون إبداء الاكتراث بصحتهم ومستقبلهم.
أغلب الشعوب العربية إن لم تكن كلها التي تحررت من ربقة الاستعمار الأجنبي وقعت في براثن الاستبداد الداخلي، الذي مارس ويمارس كل أساليب الاستعمار الأجنبي من استخدام القوة والعنف في بسط سيطرته على الخلق، ويقيم السجون ويعتقل الأحرار، ويصادر الحريات، ويستولي على المقدرات وينهب الخيرات، ويقتل ويدمّر ويسفك الدماء من أجل الحفاظ على السلطة، وينتهج سياسة التخويف والرعب، ويعتمد أساليب إثارة النزاع والفرقة بين مكونات الشعب، ويمارس سياسة الاستعلاء والغطرسة والاستخفاف بالجماهير، واحتقار مطالبهم بالحرية والديموقراطية والكرامة واستعادة السلطة، فما هو الفرق عندئذٍ بين الاستعمار الأجنبي والاستعمار الداخلي، سوى إتقان لغة الخطاب باللسان العربي والتمترس حول خطاب الثورة على الاستعمار، وجعجعة المقاومة والتصدي للاحتلال بلا مضمون وبلا حقيقة، فالقتل هو القتل، والسجن هو السجن، والعبودية هي العبودية، والنهب هو النهب والتعذيب هو التعذيب، والاحتقار هو الاحتقار والاستخفاف هو الاستخفاف..
بقي هناك فارق كبير وخطير، يتمثل بأن المستعمر والمحتل الأجنبي لا يستطيع إخفاء حقيقته، ولا يستطيع خداع الجماهير واستغفالهم، بينما المستعمر الداخلي المتمثل "بالمستبد" يستطيع ممارسة الخداع والتضليل، ويستطيع إتقان لعبة الاستغفال عبر الخطابات الثورية، ومن خلال التستر بأردية المقاومة والممانعة والتصدي، ويستطيع التلاعب بعواطف العامة، ويكون أكثر قدرة على التمثيل وأكثر قدرة على كسب الوقت، والأمر الأكثر خطورة أن المستعمر الداخلي يستطيع فبركة تهم الخيانة والتعامل والتخابر مع الأجنبي التي تستحق عقوبة الإعدام والنفي من الأرض والحياة.
المحصلة والنتيجة التي توصلت إليها الشعوب المقهورة بعد طول عناء أن المستعمر الداخلي أكثر خطورة وأشد وطأة عليها، لأنه عندما يمارس القتل وحرب الإبادة ضد شعبه يصبح ذلك شأناً داخلياً، ومن السهل تكييف ذلك بالحرب على الإرهاب ومن أجل القضاء على العصابات الإجراميّة والمتطرفة التي تسترضي الرأي العام الأجنبي والعالمي؛ فمحاربته أصعب من محاربة المستعمر ومواجهته أشد من مواجهة الاحتلال الأجنبي.
المشكلة الحقيقية تكمن بالمضلِّلين (بكسر اللام المشدّدة) أكثر مما تكمن بالمضلَّلين (بفتح اللام المشدّدة) الذين اعتاشوا على المستبد وبنوا ثقافة الاستعمار الداخلي، وصاغوا حياتهم وعقولهم في غياب حريّة الشعوب، وغياب مشروعها الحضاري، وتغييب هويتها الثقافية.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)