jo24_banner
jo24_banner

الحكومات بين الاستعلاء والاستغفال

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : لا تكاد تجد فرقاً جوهرياً بين حكومة وحكومة أردنية على الأغلب أو بين رئيس وزراء وآخر في هذا الزمن الذي كثر فيه تشكيل الحكومات ورحيلها، بحيث لم يعد المراقب السياسي ـ فضلاً عن المواطن العادي ـ قادراً على المتابعة أو الوقوف على الفروق الجوهرية بين الذاهبين والقادمين.
ولو قُدِّر لمراقبٍ سياسي أن يعقد مقارنة بين آخر حكومتين من حيث الرئيس والفريق الوزاري والمواقف والسياسات وأهمّ القرارات نجد قدراً كبيراً من التشابه، وربما يحضر الفرق الجوهري في إطلالة الرئيس الإعلامية والتفاوت في اللغة والقدرة على التبرير، وطلاقة اللسان، وهذه المقارنة تكاد تكون صورة مكررة في أغلب الحكومات المتعاقبة.
يختصر أحد المحللين الفرق الدقيق بينها بالقول الحكومة الأولى مارست دورها باستعلاء، حيث عمدت إلى اتخاذ القرارات ووضع السياسات، ومارست الجرأة على التعيينات دون اكتراث بالشعب ومكوناته، وظهر ذلك جلياً بسيل من التصريحات التي صدرت عن الرئيس، وكانت تدور حول معنى أنّ الرئيس والحكومة لا ينظرون إلى الشعبية ولا يهمّهم ماذا يقول الناس، ولا يهمهم من يأتي ومن لا يأتي، ومن رضي ومن غضب؛ أمّا الحكومة التي أعقبتها فقد أبقت على الفريق الوزاري نفسه مع إجراء بعض الرتوش التي لا تتعدى الزينة التي لا تقدم ولا تؤخر، ثمّ قدمت نسخة طبق الأصل عن السياسات السابقة، وإكمال القرارات نفسها في سياق الارتكاز على جيوب المواطنين الغلابى؛ من أجل تقليص حجم العجز الناشئ عن عجز الحكومات المتراكم في مواجهة الفساد، وعجزها عن معالجة الخلل البنيوي في السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع الكارثي، مع ملاحظة الفارق أنّه تمّ استبدال سياسة الاستغفال بسياسة الاستعلاء.
الاستغفال يتم من خلال كثرة الاجتماعات والأحاديث واللقاءات مع المكونات السياسية والحزبية والنقابية والاجتماعية التي تأتي تحت شعار (شاوروهم وخالفوهم)؛ لأنّ كل الذين تمّت مشاورتهم لم يقرّوا الرئيس على خطوته التي كان يدندن حولها، ولكنّهم نصحوه باتخاذ خطوات أخرى غير هذه الخطوة، ويظهر الاستغفال بوضوح عندما يتمّ بيان جزء من الحقيقة، ويتمّ إغفال الجزء الأكبر منها، ومن خلال تجاهل أسئلة الاقتصاديين والسياسيين وأصحاب الخبرة والتجربة، التي طرحوها في هذا السياق.
على كل حال، سوف يبقى الحال الشعبي يراوح بين مسار الاستعلاء والاستغفال، وكلاهما إفراز لوضع غير سليم، ويعبّر عن ثقافة المرحلة المنصرمة التي تتسم بالاستبداد وتغييب الشعب عن ممارسة حقه في اختيار الحكومات التي تملك برامج سياسية ورؤية شاملة وواضحة لإدارة شؤون البلاد وحلّ مشاكلها المستعصية.
عندما تصل الأمور إلى هذا الحدّ من القتامة والسوداوية، ويصبح الاقتصاد في مرحلة التدهور والانهيار، ينبغي أن لا يتمّ استنساخ الوصفات القديمة الفاشلة؛ من أجل الحصول على نتائج ايجابية جديدة، فهذا مخالف لسنن الكون، ومخالف لمقتضيات العقل والمنطق.
لا يجوز النظر إلى المشكلة وحصرها في القناعة الشكلية للجماهير أو عدم قناعتها، أو في القدرة على تمرير القرار أو عدم تمريره، بل المشكلة تكمن في كيفية طرح الحكومة حلّ المشكلة الاقتصادية حلاً جذرياً، وذلك من خلال العمل على ايجاد اقتصاد وطني منتج، وكيف تجعل الشعب يأكل ممّا يزرع، ويلبس ممّا ينسج، ويستثمر ما لديه من إمكانات وطاقات وقدرات، وأن يتخلص من سياسة الاعتماد على المنح والقروض والتسول على أبواب الآخرين، وأن يتخلص من سياسة انتظار عطف بعض الدول الغنية، وما هي الخطة في ملاحقة الفاسدين الذين ما زالوا يمارسون عملية النهب و السلب والسطو على المال العام، والاستئثار بمقدرات الدولة.

rohileghrb@yahoo.com


(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير