قليل من الشفافية
أود أن أقدم نصيحة خالصة للحكومة، وكل صناع القرار في الأردن من أجل التقدم خطوة إلى الأمام، تحمل معاني حسن النوايا، وتقدم مؤشراً حقيقياً على إرادة الإصلاح المقنع للجمهور الأردني المتعطش للتغيير السلمي الحضاري. تتمثل هذه النصيحة بالمصارحة والمكاشفة الجريئة حول مجريات الوضع المالي والاقتصادي للدولة بكل وضوح ومسؤولية، وكشف الغطاء عن كثير من الروايات التي يتمّ تداولها وتناقلها، وانتشارها كما النّار بالهشيم؛ وذلك من أجل ترميم الثقة بين الشعب والحكومة.
لقد نقلت الصحف المحلية أخباراً سارّة عن المواضيع المتعلقة بالغاز المصري، وأنّه تمّ الاتفاق مع رئيس الوزراء المصري الذي زار الأردن مؤخراً على إعادة الضخّ الكامل لكميات الغاز المنصوص عليها بالاتفاقيات المعقودة بين الطرفين، وفي وقت سابق صرّح كثير من المسؤولين بأنّ الأزمة الخانقة التي يمر بها الأردن تعود لتناقص الكميات التي يتمّ ضخها من مصر، ممّا تسبب بإرهاق الخزينة وتكبد البلد خسائر كبيرة تصل إلى أربعة مليارات دولار حسب بعضهم، مع أنّ هناك شكوكاً كثيرة حول هذه المسألة.
والسؤال المتعلق بالمصارحة هنا، هل عودة الغاز المصري إلى وضعه الطبيعي قد حلت المشكلة وأنهت الأزمة، وهل سينعكس هذا الأمر إيجاباً على المواطن الأردني، بمعنى آخر أكثر وضوحاً، هل ستعود الأسعار إلى قيم سابقة منخفضة، أم أنّها سترتفع بموجة أخرى لتثقل كاهل المواطن أكثر فأكثر كما هو متوقع، ولذلك سيبقى السؤال مطروحاً: ما علاقة المواطن إذا بالعودة إلى الضخّ الكامل؟! وما مدى صحة التصريحات التي أطلقت سابقاً حول هذا الموضوع تحديداً؟!.
السؤال الثاني يتعلق بموضوع المنح الكبيرة التي تمّ الإعلان عنها قبل أيام، فقد صرّح مصدر مسؤول بأنّ منحة من الإمارات تصل إلى (500) مليون دينار في طريقها بشكلٍ عاجل إلى خزينة الدولة، وقد صرح مصدر مسؤول قبل ذلك بأنّ السعودية أرسلت لنا منحاً بقيمة (750) مليون دينار، وهناك منحة قطرية ومنحة كويتية أيضاً، لم يتمّ الإفصاح عن قيمتهما، فهل هذه المنح سوف ينعكس أثرها على المواطن المنكوب وجيبه المثقوب؟ أمّ أنّ الأخبار فقط لبعث الطمأنينة في النفوس ورفع معنويات الشعب وتعزيز الأمل، من دون أن يؤثر ذلك فعلاً في أسعار الوقود وخاصة بنزين (95) بالذات، ومن دون أن يحس المواطن بالأثر الفعلي لهذه المنح المتوالية؟!.
السؤال الثالث يتعلق بشركة بترول العقبة، التي تحتكر الاتجار بالبترول والغاز شراءً وبيعاً وتسويقاً، وأنّها تجني أرباحا طائلة عدا الضرائب الباهظة، وهذه الملايين الكثيرة التي تذهب لجيوب قلّة قليلة محدودة تشكل رقماً كبيراً يعادل أضعاف القيمة التي يتمّ تحصيلها من رفع أسعار الوقود، ويتفرع عن هذا السؤال أسئلة فرعية كثيرة حول الاحتكار وعدم تحرير سوق النفط في الأردن، وعدم خضوعه للمنافسة الشفافة التي تبين الحقيقة العارية أمام أنظار الجمهور.
الحكومة مدينة للشعب الأردني بهذه التوضيحات، ومدينة للشعب الأردني بإجابات شفافة ومسؤولة، عن كلّ هذه المسائل قبل الخوض في الجدل على التعديلات الدستورية، وقبل الجدل على قانون الانتخاب، وعدد القوائم وتحديد الدوائر.
ما نود الخلوص إليه أنّ المسألة الجوهرية تتعلق بالثقة الضعيفة التي في طريقها نحو التلاشي والانعدام، بين المسؤولين وبين الشعب، التي كانت نتيجة وثمرة مُرّة لسياسات وقرارات وإجراءات وتشريعات لم تتغير، ومنهجية راسخة في الاستغفال ، لم يطرأ عليها حتى هذه اللحظة أي تغيير جوهري، ينقل المواطن من المنطقة العمياء، إلى منطقة الوضوح والمشاركة والإحساس بالمسؤولية، وإذا لم نصل إلى مرحلة المراجعة لموضوع الثقة، وكيفية الشروع باستردادها وإعادة بنائها، سوف يجعل كل الخطوات الكبيرة والصغيرة ضرباً في حديد بارد، وسوف ينظر الشعب إلى كلّ خطوة بأنها لا تتعدى كونها صرخة في واد، أو نفخة في رماد.
(العرب اليوم )