استهداف المخابز والكارثة الانسانية في سورية
استهداف المخابز ومستودعات الدقيق من قبل طائرات النظام السوري، أكثر من مرة في أكثر من مدينة سورية لم يعد قصفاً عشوائياً، أو خطأً بشرياً وفعلاً غير مقصود، بل هو أمر مقصود بكل عناية وتعمد، وأمر ممنهج يعمد إليه النظام اليائس، بطريقة مروّعة تفوق احتمال الحس البشري.
أي نوع من البشر هؤلاء الذين قفزوا إلى السلطة في ليلة مظلمة على ظهور الدبّابات المستوردة، وخلطوا بين الحس السياسي المتبلّد الذي رسخه (ميكافيلي)- أبو السياسة في العصر الحديث ثم خلطوا ذلك بمزيج طائفي بغيض وفكر حزبي متغطرس وبغيض، ومغلف بأقنعة المقاومة الخادعة وشعارات فقدت بريقها منذ سنوات، يقتلون بدم بارد، ويدمّرون بلا أدنى حس من الانتماء ومن دون امتلاك ذرة واحدة من المسؤولية والحس الانساني.
أين العرب، أين المسلمون، أين العالم كله عن هذه الكارثة الانسانية المروّعة التي تحدث بحق الشعب السوري المقهور بتواطؤ واضح ومؤكد من كل القوى الغربية والشرقية على حد سواء، فما يحدث بحق الأطفال والنساء وجموع المدنيين على مدى سنتين يمثل جريمة بشرية، يتحمل مسؤوليتها العالم كله مع النظام.
لسنا بصدد الحديث عن المخطئ والمصيب بين الأطراف المتصارعة في سورية، ولكننا بصدد كارثة انسانية تستحق التدخل الاغاثي والإنساني لإيواء الأطفال المشردين والجوعى، في أجواء البرد القارس والقتل الهمجي، الذين يحتاجون إلى الغذاء والدواء والإسعاف الفوري والمستشفيات المتنقلة وقليلاً من الدفء.
ليس معقولاً ما يحدث في سورية، ففي كل حروب العالم هناك تدخل لحماية المدنيين وإغاثة المنكوبين، ولا نقصد نصرة طرف على طرف أو مساعدة فريق ضد فريق آخر، ما تحتاجه سورية الآن ايجاد طريقة لحماية المدنيين بغض النظر عن الطرف الظالم أو المحق.
شعور بالخزي والعار ينتاب كل صاحب ضمير يعيش في هذا العالم، وتزداد المرارة عند الشعور بالعجز عن تقديم النصرة والمساعدة في هذا العالم المتوحش، الذي يكتفي دعاة حقوق الانسان فيه بالتحذير من استعمال الأسلحة الكيميائية، وكأنه إذْنٌ واضح وصريح وبكل بجاحة باستخدام كل ما عداها من الأسلحة، ولو كانت براميل مدمّرة أو قنابل عنقودية تلقى بوساطة الطائرات الحربية أو المروحيّة، أو استخدام صواريخ سكود متوسطة وبعيدة المدى، أو استخدام الغازات السامة التي تسبب الاختناق والتسمم والشلل والعمى، كما حدث في حمص.
إن ما يحدث في سورية درس بليغ للشعوب العربية كلها، ولجميع القوى السياسية الفاعلة تجاه الأنظمة التي ولدت في وحل الهزائم، وفي مستنقع التخلف والاستبداد، التي لم تعرف سوى لغة القتل والقمع والكبت وتدمير ارادة الشعوب عبر عقود من السنوات، وتجاه القوى الغربية والشرقية الوالغة في دعم هذه الأنظمة وإعطائها الفسحة لتدمير شعوبها ونهب مقدرات بلادها، وتجاه نخب الاختراق والتبعية التي تنخر في جسم الأمة، وتبرر جرائم الطغاة بكل بلادة حس، وموت ضمير.
رغم الكارثة الانسانية المروعة التي تحدث في سورية، سوف ينتصر الشعب السوري، وسوف يعيد بناء نفسه ودولته خلال مدة قصيرة، وسوف يقوم بعملية القصاص من كل المجرمين وأعوانهم وأتباعهم، وسوف يكون العقاب بحجم الجريمة، وسوف يكون قريباً أقرب مما تتوقعون، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
(العرب اليوم )