نتائج متوقعة !
تُظهر الأرقام الحكومية الأخيرة أن حصة أغنى 10 % من السكان من إجمالي الإنفاق للعام 2010، قد زادت مقارنة بالعام 2008، لتصل 27.5 % صعودا من 26.5 %.
وهذه الأرقام تُقرأ باتجاهين: الأول، أن إنفاق هذه الشريحة زاد خلال الفترة 2008-2010، نتيجة زيادة تكاليف المعيشة. فيما يؤكد المعنى الثاني أن الفجوة اتسعت بين هذه الفئة وبين أفقر 10 % من السكان، والذين زاد إنفاقهم أيضا من 3.6 % من إجمالي الإنفاق في 2008، إلى 4 % في 2010، ما يؤشر إلى ارتفاع تكاليف الاحتياجات الغذائية على الشريحة الأفقر خلال هذه الفترة.
بالضرورة، تكشف الأرقام السابقة ارتفاع عدد الفقراء في نهاية 2010. وهذا ما يثبته تقرير حالة الفقر في الأردن، والذي بين ارتفاع الفقر إلى 14.4 % من إجمالي السكان، مقارنة بنسبة بلغت 13.3 % في العام 2008.
وبالقياس على الظروف الاقتصادية السائدة خلال الفترة 2010-2012، فإن بالإمكان القول إن معدلات الفقر في الأردن في العام 2012 زادت أكثر، خصوصا أن الاقتصاد يمر بحالة تباطؤ منذ العام 2008، لا بل إن الظروف أصبحت أكثر تعقيدا في المملكة والإقليم ما بعد الثورات العربية التي ألقت بظلالها على الحالة الاقتصادية لدول المنطقة.
ارتفاع نسبة الفقر لا يرتبط فقط بالحالة الاقتصادية الصعبة، بل يتعلق أيضا بمنهجية الدراسة التي اعتمدت معايير أكثر واقعية، لناحية اعتماد قيمة أعلى لخط الفقر المطلق، إذ بلغ في العام 2010 نحو 67.8 دينار للفرد شهريا، فيما استندت دراسة 2008 إلى أن خط الفقر المطلق للفرد يقدر بحوالي 56.6 دينار شهريا.
بالنتيجة، ما تزال السياسات الرسمية وجهود المؤسسات المختصة بمحاربة الفقر غير مؤثرة على مستوى تقليص عدد الفقراء، والارتقاء ببعضهم إلى شريحة اقتصادية أخرى. إذ تنصب كل الجهود على إعطاء الفقراء قوت يومهم، وإبقائهم ضمن حدود الكفاف، بدون التركيز على تعليمهم مهارات ومنحهم فرصا تخلصهم من سجنهم البغيض!
ولا أدري إن كان إيجابيا أم سلبيا القول إن أموال صندوق المعونة الوطنية جنبتنا نسب فقر أعلى تصل إلى حدود 15.8 %! وما إذا كان هذا عنصر ضعف أم قوة!
فمخصصات الصندوق ارتفعت بقيم متواترة على مدى سنوات، لتصل في 2010 نحو 79 مليون دينار، الأمر الذي يعني أن العقلية التي تدير ملف الفقر هي ذاتها، وأن المسؤولين لم يصلوا بعد إلى مرحلة استثمار ملايين المعونة لخلق مجتمع منتج معتمد على ذاته، باستثناء الحالات الإنسانية التي لا مفر من تقديم المعونة لها.
السيناريو الآخر، وهو خطير وكارثي أيضا، يفترض بلوغ الفقر نسبة 17 %، لو لم تقدم الدولة تحويلات مالية مختلفة، إضافة إلى المعونة الوطنية، تقدر قيمتها الإجمالية بحوالي 219 مليون دينار. ويمكنني القول إن النسبة الحقيقية للفقر في المملكة تبلغ 17 %، لو تعاملنا مع المعطيات الرقمية بتجرد، ولم تقدم الدولة المعونات المالية.
آن الأوان لأن نتوقف ونراجع وندرك أن الاستمرار بهذا النوع من السياسات لن يحل المشكلة، ولن يؤدي إلى نتائج مختلفة في ملف الفقر، طالما أن المطلوب هو التخدير والتسكين وليس العلاج المر.
بالمحصلة، سيبقى عدد الفقراء في ازدياد، وستتسع الفجوة بين الفقير والغني، طالما أن العقلية التي تخطط وتنفذ ما تزال تتقمص دور الأب الراعي، وتهمل فكرة الإنتاجية والاعتماد على الذات، وطالما أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص شكلية.
المشكلة لا تقتصر على الحكومات والسياسيين؛ فالمجتمع لم يهضم بعد فكرة الاعتماد على الذات. وثقافة الفرد المنتج يحتاج تكريسها إلى جهد كبير، ليدرك المجتمع قبل الحكومات أن حل مشاكله الاقتصادية يعتمد على إرادته وقدرته على الخروج من "جلباب" الحكومات الذي يوشك أن يتفتق.
هذا ما حدث للفقراء والأثرياء، فماذا حل، يا تُرى، بالطبقة الوسطى؟
(الغد )