jo24_banner
jo24_banner

نحو ثقة برلمانية جديدة

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 :

ما زالت الغالبية من شعبنا الطيب أسيرة لنظرة تقليدية مستقرة في الذهنية الأردنية حول البرلمان ودوره الحقيقي التي تناقض ما هو معروف لدى معظم شعوب العالم، وتخالف لما ينص عليه الدستور المكتوب من دور تشريعي ورقابي والتعبير عن سلطة الشعب العليا، الذي يقتضي بذل الجهد في البحث عن الكفاءات والتخصصات المطلوبة في هذا الشأن والبحث عن أصحاب التجربة والمراس في إدارة الدولة من أجل الارتقاء بمؤسسات الدولة وأدائها بشكل دائم ومستمر.
النظرة التي نعاني منها تتلخص بأن زعيم العشيرة يرى نفسه أنه الأحق بمقعد البرلمان لكونه هو الزعيم، وهذا المقعد من مقتضيات الزعامة، وإذا تنازل في هذا الشأن فلا يكون تنازله إلاّ لأحد أبنائه فقط، من أجل الاحتفاظ بالزعامة وعدم ذهابها إلى شخص آخر أو عائلة أخرى بسبب أضواء البرلمان، وما ينطبق على العشيرة الواحدة ينطبق على مجموعة العشائر الموجودة في البلدة أو في المنطقة والدائرة الانتخابية، فهناك بعض العشائر ترى أنها هي صاحبة التاريخ والمجد وهي الأجدر بالزعامة، ولذلك تجد العشيرة تخوض تنافساً محموماً مع العشائر المجاورة للاحتفاظ بالمقعد البرلماني دورة بعد دورة، ما يجعل أفراد العشيرة بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية يجتمعون على مرشح العشيرة دون أي اعتبار للكفاءة السياسية ودون أي اعتبار لأدائه المتوقع بعد نجاحه فيما لو نجح!!
لم تستطع الأحزاب السياسيّة الأردنية على كثرتها وتنوع اتجاهاتها أن تحل هذا الإشكال، بل ربما يصح القول أن الأحزاب استسلمت لمنطق العشيرة الصارم وعجزت عن إيجاد ثقافة تنافسية جديدة، وعجزت عن خلق أطر جديدة قادرة على استيعاب أفراد المجتمع وفقاً لمنظومة جديدة من المصالح، رغم تزايد أعداد المتعلمين، ورغم مضاعفة عدد خريجي الجامعات أضعافاً مضاعفة، لأن ارتفاع نسبة التعليم وزيادة أعداد الخريجين لم تكن مصحوبة على الاطلاق بثقافة سياسية جديدة قادرة على تغيير لون المعركة، وقادرة على تغيير شكل التنافس المتوارث عبر الأجيال بطريقة صارمة.
الأردن التي تخوض معركة الحداثة عبر العدد الكبير من الجامعات الحكومية والخاصة وعبر تكاثر المدارس الخاصة الراقية والكبيرة، وعبر تخريج أعداد هائلة من حملة الشهادات الجامعية، وفتح باب التعليم العالي على مصراعيه، حيث أصبحت الأردن تستقبل الدراسين من دول الجوار، بعد أن كانت تبعث بأبنائها إلى جامعات العالم، كل ذلك لم يفلح في الانتقال بالأردن نحو واقع سياسي جديد وثقافة سياسية جديدة، ويعود ذلك إلى سبب وجيه أنه تم العمل على تفريغ الجامعات وساحات العلم من العمل السياسي والأطر الحزبية بطريقة غير متوازنة، حيث تم إبعاد الأجيال عن الانخراط في العمل العام والانخراط في الهم الوطني، ما أدى إلى ضمور الثقافة السياسية لدى الشباب، وضمور العمل الوطني وانعدام أدواته.
لست في معرض الدفاع عن الأحزاب والحزبية، بقدر ما أود الإشارة إلى ضرورة احترام عقول الناشئة والتعامل مع الأفكار بالانفتاح والتثقيف والتأهيل والتدريب وليس بمنطق الوصاية، ولا بمنطق المنع ولا بمنطق الانغلاق، لأن من شأن هذا المنهج أن يؤدي إلى نتائج جانبية خطيرة، نحن نلمس آثارها بمنتهى الوضوح، تلك التي تتجلى في أشكال التنافس والمنازعات الموجودة بين شبابنا، وفي مستويات الحوار المتدني التي نشاهدها في الجامعات الآن، وهي مرشحة للاستمرار إذا لم يتم تدارك الموضوع بطريقة ذكية وبمنهجية علمية سليمة تقوم على التجرد وبعد النظر وإرساء ثقافة جديدة، والبحث عن أطر جديدة قادرة على استيعاب طاقات الشباب واستثمارها في منحنى ايجابي متصاعد.
(العرب اليوم )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير