jo24_banner
jo24_banner

المتنبي يموت واقفا

د. خالد سليمان الخلفات
جو 24 :
في هذا اليوم الثاني والعشرين من رمضان سنة 354هـ ..قتل صاحب السيف والقلم وصاحب الخيل وصاحب البيداء وصاحب الرمح وصاحب القرطاس الذي خط بقلمه عليه أجمل القصائد ...قتل من كان ينشد دائما مفتخرا بنفسه ...
الخَيْل واللّيْلُ والبَيْداءُ تَعْرفُني والسّيْفُ والرّمْحُ والقرْطَاسُ والقَلَمُ
قتلوك ابا الطيب المتنبي ...وقد دفعت ثمن شعر كنت قد قلته في بني أسد وشيبان ....فهل كان عليك أن تهجوهم!!؟ قتلت غدرا وغيلة اجتمعوا عليك في زمن ما في زمن الغدر والخيانة .... وقتلوا ابنك وهو يطلب الثار من قتلة ابيه.... فغادرت الحياة وهاجر الشعر معك .... ولم يعد هناك شعر ولا نشيد ....
.كثر حاسدوك فدفعت ثمن العظمة واﻹبداع.... وهكذا هو المبدع العربي في كل عصر وزمان ...قتل الذي أشغل الناس بشعره ...قتل الشاعر العربي الذي شعر بالغربة وهو في بلاد الفرس يغني :

وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ

قتل من راى يدا غير عربية هناك.... لا تعرف الكرم ولا تعرف الجود كما كان في حلب في أحضان سيف الدولة ... قتل الشاعر الذي رأى في شعب بوان بشرا... ليسوا عربا ....قتل الشاعر الذي تغنى بسيف الدولة الحمداني في حلب الشهباء ..حلب الحمراء الآن حلب نقيع الدم ....حلب سيف الدولة وهو في قلعتها. ...يقارع سيوف الروم .... لكن سيفه لم يكن خشبا أمام الروم ....حاربهم في البر والبحر... حتى تبقى الشام شاما ...آه لو تطل يا سيف الدولة انت وشاعرك على حلب اﻵن ....وعلى دمشق ونهر بردى ....ماذا سيقول لك سيفك !؟....وقد صار من جاء بعدك يحملون سيوفهم ليقاتلوا شعبك الحلبي ....الذين كنت تقاتل من أجلهم عدوك ...لينعموا باﻷمن والراحة والعزة والنخوة ....صار الحلبيون والدمشقيون مشردين في خيام العري والخزي والعار ...
أيها الشاعر العظيم يا شاعر العرب....اليوم وفي رمضان قتلوك ....قاتلتك الكثرة من الفرسان ولم تقو - مع غلاميك - وأنت بعيد عن اﻷهل ان تحمي نفسك منهم.... فقتلوك بغدرهم وخيانتهم في أرض العراق ...
تحية لكبريائك الذي نحتاج ...ولشعرك الذي نحب ان نسمع.... وانت تنشد هذا الكبرياء فتقول :
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

..يا ابا الطيب غبت وغاب سيف الدولة.... وصارت الأزلام المنصوبة هنا وهناك كويفيريين إخشيديين ...لا تلام ايها المتنبي عندما قلت ...وكافور ذاك العبد النوبي يتسلق إلى القصر... فيحكم مصر العروبة وشعب مصر ...فأمثاله كثر اﻵن....وكان عليك وعلينا أن نحمل السوط دائما ....سوط الشعب لعبد يحكم بلدا مليئة باﻷسياد.... في ظل غيابهم ونومهم وخذلانهم :

العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ

نعم يا ابا الطيب.... كنت وكنتم في عبد واحد وشقي واحد وكافور واحد ....ونحن اﻻن في زمن الكويفيرين العبيد ﻷسيادهم ....في زمن الأدوات....الذين لا يستطيعون حماية نفوسهم ...اين انت يا سيف الدولة ..أنت وشاعرك المتنبي اﻵن ... سيوفهم يا سيدي ..رماحهم يا سيدي .... سهامهم يا سيدي ... صارت براميل متفجرة ....تصنع منها الف سيف وسيف لاعدائك الحقيقيين الروم ومن والاهم ....معاركك خلدها المتنبي... ومعاركنا معارك خزي وعار ... خجل الشعراء من تدوينها ... ماذا ستكتب أقلامهم على قراطيسهم واوراقهم ...عن اي معركة ستنظم شعرك يا شاعر سيف الدولة لوكنت فينا !!!؟ عن هزيمتنا الأولى ...الثانية ...الثالثة ...عن العراق الجريحة التي زرتها ذات يوم .... عن بغداد التي مررت بها... عن الكوفة التي كنت فيها ذات يوم ...التي صارت مرتعا خصبا للمجوس ...عن مدن ومذابح لجماعات لا تعرف إلا المجازر والمذابح ...ولا يعرفون من الدين إلا القشور وكنت قد قلت فيهم ذات يوم...

أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم... يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ

...ماذا سيكتب شعراؤنا ...عن الحدث الحمراء مثلا ... التي خلدتها في الذاكرة قبل اكثر من الف عام فقلت ...

هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها.... وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ

ماذا يمكن ان تقول أيها الشاعر !!؟ وماذا يمكن ان يقولوا !!؟ وقد صار نفط العرب وخير العرب وثروات العرب مشاعا...لكل عدو ...ولكل لص ...وقد ثرت في ذاك الزمن ...وخاطبت الشعب العربي في مصر ....حينما ناموا وتركوا العبيد يحكمون ارض العرب ....نعم لقد قلت ....وما زال قولك هو الصواب ... فما اشبه الليلة بالبارحة !!! فالنواطير ما زالوا نائمين ...عن ثعالب العصر ...حتى شبعت من خير العرب ومال العرب وبترول العرب ..

نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ

نعم نامت ...ولكن الخير ما زال باقيا في هذه الامة ...إلى ان تنكشف الغمة ...ودوالي العنب ما زالت أغصانها تثمر وتنجب . فجذورها غارقة في قاع اﻷرض يا أبا الطيب!!!؟
قلبت علينا مواجعنا اليوم في ذكرى مقتلك ...فنحن في زمن الكربلائيات والحزن والدم والقتل والسفك واﻹبادة ..أشقانا العقل واتعبنا.... وأخو الجهالة هناك في الشقاوة ينعم ....طبت مساء وطبت صباحا ..وعليك الف تحية وسلام
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير