حادث الصحراوي.. ليلة حزينة في الطفيلة
د. خالد سليمان الخلفات
جو 24 :
- بدا القمر حزينا مساء أمس .... ما عادت النجوم تلمع في ظلام الليل ..والظلام نصب خيمته فوق الأرواح ... لم تستطع مصابيحنا إنارة الظلام من حولنا ... ليلة بائسة حزينة في الطفيلة.. اجتمع القوم على امر جلل... الطفيلة التي كان لصهيل خيلها صوت تسمعه من كل مكان كانت البارحة صامتة ..صهيل الخيل توقف فجاة ...صمتت وصمت الكلام ...وصمتت كل الحكايات الجميلة ..صمتت وصمتت سيمفونية الفرح الممزوج بالتعب ... صمت كل شيء في مجادل المكان الذي حوى جثامين الشهداء ..عدي ابن العم ما عاد يعدو ..واحمد السهارين ببسمته الجميلة وحديثه المهذب مع الناس لن نراه مجددا ..ومحمد الحجايا ابن صحراء الحسا الذي لوحته الشمس بلهيبها ابت أن تراه مرة اخرى ...خافت عليه من أن تحرقه بلهيبها في صيف حار قادم ...اشفقت عليه ..كانت إرادة الله أن يكون تحت التراب حتى لا تلوحه الشمس. ... هو الوحيد الذي غادرهم في موته ليدفن في الحسا ...ومحمد المرايات صديق ابني وزميله في الدراسة كان يتنسم هواء صويميع النقي غادر مودعا ...تنسم الهواء هناك وهو يودع امه.. ربما ألقى نظرة الوداع ربما لا يدري أنه سيعود ...
شباب نذروا انفسهم للوطن جندوا انفسهم للدفاع عن ثراه جد عدي لوحته الشمس في عفرا ..محراثه ما زلت اذكره وهو يحرث الارض في الخريف في حوض الهليلة ..وعقب الهريش ...ومع اغنامه في مواسم الرعية ..حرقته شمس الحصاد ... علم اولاده معنى التشبث بالأرض ... والدفاع عن الوطن ... لم يتلق دروس الوطنية في مدرسة ولا جامعة ..بعض الذين درسوا في المدارس والجامعات تفننوا في الخيانة وإسقاط الوطن إلا محمد بقي وفيا للوطن ..وكذلك آباء واجداد من سقطوا امس شهداء الطريق الصحراوي ...
انتزع ذاك السائق نشوة الحياة من نفوس شباب نذروا انفسهم للوطن وحراسته.. وحمايته من اعداء الداخل والخارج ...مازالوا يتلقون دروس الوطنية يوما بعد يوم فما زالوا في عمر الورود .. انقياء كنقاء دمهم الذي تلطخ برمال الصحراء أمس..في ميادين التدريب في الصحراء لم يتوقعوا ان تقتلهم الصحراء ولم يتوقعوا ان رمل الصحراء سيشرب دمهم ...
كتب علينا أيها الانقياء ان نقدمكم قربانا لطريق الموت ... وكنا وما زلنا نقدم القرابين لها ...وفي كل يوم للجنوب حكاية ... موت وحزن والم وقلب أم يتقطع ... وزوجة تترمل ... وطفل يفقد اباه ... وفتاة تتيتم ... يحرمها القدر مطلقا أن تنادي اباها ...أن تفرح ذات عيد بهدية وحلوى ...أن تفرح بشهادتها أو تخرجها أو زواجها ... من زمان كنا نكتب وصيتنا حينما نريد أن نسلك طريق الموت ...نكتبها ونخفيها تحت وسادة نومنا ..من زمان كنا نعرف أننا قد لا نعود ..من زمان وحتى الآن إذا غادر أبناؤنا إلى عمان أو العقبة لا يتوقف رنين هواتفهم للاطمئنان عليهم ..هل ما زالوا أحياء ام تخطفهم الموت ..من زمان وكربلائياتنا لا تتوقف ... من زمان طويل ونحن نبكي وأنتم تتلذون بسماع بكائنا وصرخاتنا ..
الطريق الذي صار لنا حكاية مؤلمة سننادي ذات يوم بأعلى صوت لكل الخائنين والفاسدين انتم من قتلتم فرحتنا ....أنتم من خنتك ضمائركم...انتم لم تمهدوا لنا طريق الجنوب ....انتم من صنعتم الموت في رمال الصحراء من جنوب عمان وحتى العقبة ... انتم من صنعتم قهرنا وادميتم جراحنا ... انتم من ابكيتم النساء .... انتم من انتزعتم بسمة أطفالنا .. انتم من قتلتم فرحنا ...انتم من ملأتم عيوننا ومآقينا دموعا حارة ... انتم من قتلتم الفرحة في قلوب النساء أمس.. ام عدي وام محمد .. وام محمد الأخرى.. وام احمد .. سمعت صراخ بعضهن امس .. ومنهن من كن ينتظرن على الطريق مرور سيارات نقل جثامين ابنائهن .. لم استطع ان اتحدث ..فالصمت البارحة كان سيد الموقف ... وماذا عسانا نفول ايها الظلمة ..رفعنا في الطفيلة شكوانا عليكم عند ملك عادل سيتنزع حقوقنا منكم يوم القيامة ... عند رب قال لنا ...ان نقول :حسبنا الله ونعم الوكيل ..أما انتم اركبوا الطائرات ..اذهبوا إلى العقبة بطائراتكم ..حلقوا في الفضاء واتركوا طريق الموت للبؤساء تمتعوا بكل خيرات الوطن. فشبابنا امس الذين استشهدوا قرروا حراسة الوطن وحمايته منكم ايها الخونة ..