الساحة السورية تتجه نحو التصعيد
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 :
يتضح أن ادارة ترامب تسير في خطة تصعيد الصراع في أغلب البؤر الساخنة في العالم، ولذلك أعلن الرئيس الأمريكي قبل يومين عن ابطال الاتفاق مع كوبا الذي عقده معها سلفه اوباما، وكان قد أعلن عن نيته على اعادة النظر في الاتفاق النووي مع ايران وقد أعرب أثناء حملته الانتخابية عن عدم رضاه عن بنود هذا الاتفاق ومضامينه، وفي زيارته الأخير للسعودية ثم التحشيد الكبير ضدها، وكانت معظم صفقات السلاح التي تم الاتفاق عليها تأتي في هذا الاطار، وهذا ما سوف ينطبق على ساحات الصراع الأكثر سخونة في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا، ويأتي ذلك كله في سياق انعاش سوق السلاح العالمي، وضخ الرّوح في الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد بنسبة 68% على مصانع الأسلحة بكل أنواعها وأشكالها.
اذا صحت هذه النظرية فهذا يعني بكل وضوح الاتجاه نحو التصعيد في الساحة السورية عن طريق زيادة حدة التوتر بين الأطراف الفاعلة في القتال ومحاولة عرقلة الجهود التي تمت سابقاً باتجاه التهدئة، والحيلولة دون تهيئة البيئة المناسبة نحو التسوية السورية-السورية او التسوية الشاملة، ولذلك تم تسليح الأكراد وتزويدهم بأسلحة ثقيلة واعطوهم دور تحرير الرقة، مما يزيد من منسوب التوتر مع تركيا، وتم قصف ميليشيات ايرانية كما تم اسقاط طائرة سورية، وهذا ما سوف يؤدي الى زيادة التوتر مع روسيا وايران، وكل ذلك سوف يؤدي الى اعادة النظر في جملة التوافقات السابقة، وربما يؤدي الى الانهيار ومن ثم اشعال جذوة القتال وزيادة حدة الصراع بين كل هذه الأطراف بطريقة معقدة ومرعبة.
هذه السياسة التي تبدو ملامحها أنها بعيدة عن الحكمة والتعقل والنظرة الاستراتيجية بعيدة المدى، سوف تشكل بيئة مناسبة لبعض الاطراف الاقليمية بتحسين مواقع نفوذها في المنطقة وسوف ترتد بشكل معاكس وسلبي على معظم الدول العربية، وربما يكون المستفيد الأكبر هو « ايران « من خلال تمددها الواضح ومحاولتها بسط نفوذها واحكام سيطرتها على الحدود والمعابر بين العراق والسعودية، وبين العراق وسوريا وبين سوريا ولبنان، وبين سوريا والأردن، وقد حققت تقدماً ملحوظاً في بعضها، وما زالت تحاول الاستكمال.
الاكراد ايضا يستثمرون في حالة النزاع والفوضى التي تسود الاقليم العربي ويتجهون نحو استكمال جهودهم في طريق الاستقلال الكامل وانشاء الدولة الكردية المستقلة والتي سوف تنطلق من كردستان العراق لتشمل مناطق الاكراد في تركيا وسوريا وايران،وهذا ما سوف يؤدي الى حقبة جديدة من النزاعات الاقليمية في دول المنطقة،وقد يؤدي الى فتح الشهية نحو مزيد من محاولات التشكل الطائفي والعرقي.
التصريحات الروسية كانت شديدة بخصوص اسقاط الطائرة السورية، وأعلنت وقف العمل باتفاقية أمن التحليق الجوي في سوريا مع الأمريكان، وهددت بضرب أي هدف جوي يظهر في سماء سوريا، مما ينذر بتدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية على الساحة السورية وخاصة في المناطق الجنوبية مما يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة برمتها، ونحن في الأردن جزءٌ منها.
ما تقوم به امريكا يشبه المقامرة التي تهدف الى ديمومة الصراعات في الاقليم العربي مع محاولة تغذية عوامل وجودها من خلال اتباع سياسة اضعاف القوي وتقوية الضعيف واللعب على حبل الموازنات الذي يضمن تحقيق الاهداف الامريكية باكبر قدر من الارباح واقل قدر من الخسائر على حساب استقرار المنطقة واستقرار شعوبها .-(الدستور)