كيف يفكر الملك ؟
قال الملك ما يفكر فيه، مقدما رؤيته للأردن بعد خمس أو عشر سنوات؛ إذ يراه بلدا تعدديا ديمقراطيا منفتحا، يحترم المرأة وحقوق الأقليات، ويرسخ الرقابة التي تحكم الديمقراطية لتعمل بشكل سليم.
لخص الملك ما يؤمن به بعبارة واحدة، وهي: إن "الملكية التي سيرثها ولدي لن تكون نفس الملكية التي ورثتها"؛ ولتعبر تماما عن التغييرات التي يلزم أن تطرأ على نظام الحكم في الأردن، وتخبرنا بإيجاز كيف سيكون حال الأردن المستقبلي.
صورة الأردن التي رسمها الملك في حديثه لمجلة لونوفيل اوبزرفاتور الفرنسية، تقوم على حكومات برلمانية تكرّس مبدأ الفصل بين السلطات؛ وبرلمان يضم معارضة تقوم فعليا بدور "حكومة الظل"، كما هو الحال في الديمقراطيات البرلمانية؛ إضافة الى أحزاب سياسية قوية تقوم على برامج عمل تفصيلية وحقيقية، تمسك بزمام العملية السياسية.
كيف تتحقق هذه الرؤية؟ وما هي الشروط الموضوعية المطلوب توفرها والأدوات الواجب تطويرها لجعل ما يفكر فيه الملك حقيقة؟ وهل من السهل تحقيق هذا الهدف في ظل معطيات المشهد السياسي، وحالة التجاذب التي نعيشها؟
الملك يرى أن التغيير ممكن من خلال تطوير النظام السياسي، وهذا هو المهم؛ فالمضي إلى المستقبل بثبات يتطلب ذلك.
وتطوير النظام السياسي ليس مسؤولية طرف بعينه، بل تتوزع بين الدولة ومؤسساتها وبين المعارضة الموجودة في الشارع. والمهم أن يلتقط الجميع الرسالة، وأن لا تضيع الفرصة مجددا.
العام 1989 كان فرصة، لكنها ضاعت للأسف، فانتصرت قوى الشد العكسي الرافضة للتغيير. وعلى عكس المأمول، تعمقت المشاكل أكثر، وصار التغيير أصعب في ظل المتغيرات الجديدة التي فرضت على النظام السياسي الذي تخلى شيئا فشيئا عن المكتسبات التي تحققت في تلك السنة.
اليوم، تتوفر الفرصة من جديد لنخطو خطوات حقيقية في مسيرة الإصلاح التي يؤكد الملك أنها لا تنتهي، بل هي عملية تدرجية؛ مستمرة وطويلة وشاقة.
الملك قال بوضوح إن نظام الحكم في الأردن يستند إلى الملكية الدستورية، وهو يتطور بتطور بناء على رغبة غالبية المواطنين الذين يساهمون بشكل مباشر في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم. لكنه قال أيضا إن 90 % من الأردنيين غير منتمين إلى أحزاب سياسية، وهذا هو التحدي الأكبر أمام تطور النظام السياسي، وتغيير تفاصيل المشهد السياسي؛ بحيث تكون لدينا قوى فاعلة مؤثرة في الحكومات والبرلمانات، بعيدا عن الأحادية الحزبية التي نعاني منها وتقلق الدولة.
وما سبق يقودنا إلى الحديث عما يخشاه الملك ومعه كثيرون، ويكمن في "احتمالية تقويض التعددية ومبدأ تداول السلطة عندما تفوز جماعة ما في الانتخابات، ثم تستخدم سلطتها لتغيير قوانين اللعبة لصالحها وتبقى في السلطة حتى بعد أن تفقد شعبيتها وشرعيتها"؛ أو تلك التي تؤمن بالديمقراطية لمرة واحدة.
وتجاوز هذا المعيق بحاجة إلى مبادرات من شخصيات سياسية موثوقة، بهدف خلق مناخ جديد يشجع الأفراد على الانضمام إلى الأحزاب. وتحقيق هذه الغاية بحاجة إلى إيمان بعض مراكز القوى بها قبل القوى السياسية، لتتوفر عناصر النجاح، وننتقل إلى مرحلة جديدة من الحياة السياسية التي تؤسس لنواة التغيير والتنوع المطلوب.
(الغد )