2025-01-13 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

زواج القاصرات

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 :

الزواج يعد من أهم محطات الحياة في تاريخ الإنسان سواء أكان ذكراً أم انثى، والزواج يحتل أهمية بالغة من حيث أهدافه وغاياته العظيمة على طريق تشكيل الأسرة، إذ إن الأسرة تمثل وحدة البناء المجتمعي التي تهدف إلى بناء الإنسان وإعداده إعداداُ سليماً من أجل القدرة على ممارسة الحياة بفلسفة صحيحة وطريقة قويمة، وحل مشاكلها بمنهجية علمية وروح ايجابية فاعلة، بالإضافة إلى السكينة والمودة والرحمة، وتلبية مقتضيات الفطرة السليمة، ولذلك ينبغي تأسيس الزواج على عقد وميثاق مكتملين يقوم على إرادة الطرفين؛ التي تخلو من الإكراه وتخلو من الخداع والزيف والجهالة والغرر، ولقد سمّاه القرآن ميثاقاً غليظاً تدليلاً على أهميته وأثره في الحياة.

الإسلام دعا إلى رعاية العقود والعناية بها عناية فائقة، وتوفير عناصر بقائها وديمومتها ونجاحها في تحقيق أغراضها، ومن ثم الالتزام والوفاء بها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)؛ لأنها تمثل قوام الحياة وضمان مسارها الصحيح في جميع الأمور التشاركية، ومن أجل ذلك تم العناية بالإرادة الصحيحة المكتملة التي تعبر عن الحرية، ولا يعتد بالإرادة إلّا إذا توافرت شروطها؛ ومن أهم شروطها العقل والبلوغ والرضى، ومن هنا فلا يجوز بناء الزواج على أسس واهية أو إرادة مشوبة بالعيب والإكراه، ووفقاً لهذه الفلسفة الواضحة يجب التعامل مع ما يسمى بزواج القاصر، أو زواج الصغيرة، فقد تم التساهل مع عملية إجراء العقود بحق القاصرين التي تمثل مخالفة صريحة لقاعدة قطعية كبيرة، استناداً إلى أدلّة ظنية لا تقوى على مواجهة القطعيات والكليات القاطعة، فزواج الأطفال والقصر أمر مرفوض شرعاً وعقلاً وعرفاً، ولا يجوز أن يخضع هذا الأمر لأي منطق تبريري.

ولذلك يتم الحديث عن بعض حالات زواج الأطفال العديدة في بعض البلدان مثل اليمن أو في مجتمعات اللجوء والنزوح عندما يختل تطبيق القانون وتسود الفوضى، فيتم الاعتداء على كرامة الآدمي وانتهاك حقوق الأطفال بصورة مريعة.

القانون الأردني حاول ضبط هذه المسألة عندما حدد سن البلوغ بـ (18) عاماً، وهو مظنة البلوغ التام، وأوجد استثناءً مرتبطاً بقرار القاضي الذي يسمح بالموافقة على زواج من وصل إلى عمر (15) عاماً، وقيدها بشروط عدة: مثل توافر الكفاءة بين الزوجين، وضمان استمرار مواصلة التعليم وغير ذلك، لكن يقول بعض الخبراء: إنه تم التساهل في هذا الاستثناء وتم رصد (10000) حالة زواج تحت السن القانوني، ما يجعل المسألة ظاهرة منتشرة وليست حالة استثنائية منضبطة.

ولذلك أضم صوتي إلى من يطالب بالتشدد بضرورة منع زواج القاصرات، والحيطة والحذر في معالجة الاستثناء الوارد في القانون فيما يخص هذه المسألة، وعدم السماح بها؛ لأن ذلك يمثل عدواناً صارخاً على قيم الزواج ومفهومه، ويؤدي إلى الاستخفاف بهذا المشروع الكبير الذي يعد من أهم المشاريع الاجتماعية في تاريخ البشر؛ لأن الأسرة هي المسؤولة عن بناء الإنسان وحسن إعداده للحياة، وتشكل المحضن الاجتماعي الدافىء الذي يصقل وجدان الطفل وعقله وشخصيته، وليس معقولاً أن تحال هذه المسؤولية العظيمة إلى الأطفال، فهذا يخالف المنطق القويم الذي ينبغي أن يتناسب مع قواعد الدين ومقتضيات الفطرة الإنسانية، ومسارات الحياة الطبيعية.

هناك حاجة ملحة لمعالجة المسألة المتعلقة برواية بعض الأحاديث الظنية ويتم الاعتماد عليها في مخالفة القواعد والكليات القاطعة الثابتة التي يجري القفز عليها أو معارضتها بطريقة تخلو من المنهجية الفقهية السليمة، وتخلو من الفهم الصحيح من قبل فئة لا تدرك قواعد التعارض والترجيح المعتمدة لدى العلماء في كل المذاهب الفقهية الإسلامية المشهورة بلا استثناء.

 

 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير