تسريب أسئلة التوجيهي إشارة مرعبة
تكرر تسريب أسئلة التوجيهي أكثر من مرة مسألة خطيرة، وتعد إشارة مرعبة لانهيار نظام التعليم وانهيار المنظومة الأمنية برمّتها، وأمن أسئلة الامتحانات ينبغي أن يكون في أشد الاحتياطات من حيث السريّة وأمن الوثائق، التي يجب أن تبقى محلّ ثقة المواطنين.
تكرار التسريب لمرات عديدة يدل على خلل كبير وعميق لم يتمّ معالجته، بل يدلّ على التهاون المزري الذي لا يليق بهيبة الدولة وهيبة الوزارة، وهيبة الامتحانات، وهيبة العدالة.
الخلل الأول الأشدّ وضوحاً في هذه المسألة يقبع في الفهم والعقل الذي يتمتع به بعض من يتسلم مواقع المسؤولية، ولا يرى غضاضة في تسريب الأسئلة وبيعها بثمن بخس، ولا يدرك العواقب الخطيرة التي تترتب عليه، ولا يدرك أنّ هذا التصرف يمثل خيانة كبرى تستحق عقوبة شديدة وصارمة.
الاختلاف المنهجي حول الامتحان نفسه من حيث وجوده، وكيفيته وتطويره وآثاره فهذا موضوع آخر له مجالات أخرى للدراسة والبحث من قبل أهل الاختصاص، لكن ما نحن بصدده هو موضوع الترهل المريع في الفكر والثقافة، والترهل في الانتماء الوطني، والترهل في الأداء الوظيفي وبلادة في الحس تمثّل مظهراً خطيراً من مظاهر القصور الآدمي والبناء الإنساني الهشّ.
كل من يتساهل في هذا الموضوع، ويقلل من قيمة الأثر السلبي المترتب على تسريب الأسئلة لا يستحق أن يكون في موضع المسؤولية لحظة واحدة، ولا يستحق أن يتمتع بشرف المواطنة لهذه الدولة ولأية دولة.
ينبغي على رئيس الحكومة أن يولي هذا الموضوع أهمية قصوى واهتماماً بالغاً، و يعمد إلى تشكيل لجنة تحقيق عليا قادرة على الوصول إلى الحقيقة المرّة، ومن ثمّ بحاجة إلى غضبة مضرية تضع المتورطين في هذه المسألة في موضعهم الصحيح من حيث العقوبة الصارمة، ومن حيث إسقاط عدالتهم الاجتماعية وفقدان أهليتهم لتولي أية مسؤولية في الدولة؛ لأنّه كما يقال في المرات السابقة تمّ ترفيه المسؤولين عن هذا الخلل وتمّت مكافأتهم، فإذا صحّت الرواية، فالخطب جلل، والمصيبة عظيمة.
ينبغي جمع الخطوط المتصلة بهذا الموضوع منذ السنوات السابقة، وفحص كل الحلقات برويّة وهدوء وحرفية، ولا نطالب بأكباش فداء كالعادة ، أو كما يحدث عادة في المسائل المشابهة، ولا يجوز تسليط الغضب على صغار الموظفين والمراسلين والأذنة.
لست متحيزاً ضد شخص معين، وليست المقالة موجهة لصاحب موقع بعينه، ما نطلبه أن يكون التحقيق علمياً ومنهجياً سليماً و يكون العقاب عادلاً وصارماً في الوقت نفسه، ويتمّ كشف الحقائق على الناس بشفافية ونزاهة ومصداقية عالية، لأنّ هذا الأمر يخص كل بيت وكل عائلة، وكل شخص مواطن على التراب الأردني، لأنّ تسريب الأسئلة يخرم العدالة، ويحرم بعض الناس من حقوقها الطبيعية، إضافة إلى أنّ ذلك ينحت في مصداقية الحكومة وأجهزة الدولة، ويخدش الهيبة ويؤدي إلى انفراط العقد برمّته، وليس في هذا مبالغة ولا تهويل، ولا افتئات على الحقيقة.
(العرب اليوم )