نهاية ظاهرة التطرف
يشهد الاقليم والمنطقة افول ظاهرة التطرف والارهاب التي اشغلت العالم عدة عقود من الزمن، بعد ان وصلت الى قمة توحشها واقامت دولتها و نفذت دورها المرسوم ، و قد استثمر فيها من استثمر، ونجح بعضهم ولم ينجح آخرون، لكن في نهاية المشهد سوف تؤول هذه الظاهرة الى زوايا التاريخ المعتمة مثلها مثل كثير من ظواهر العنف والتطرف في بعض الاحقاب الزمنية على مر التاريخ، والغريب في الأمر وما يدعو الى الدهشة ان بعض الانتصارات التي يتم الاعلان عنها لم تكن مصحوبة بالقاء القبض على بعض القيادات والزعامات التي كان لها دور مشهود في التخطيط والادارة، ولم يتم نشر مقابلات متلفزة معهم في الفضائيات على كثرتها، من اجل اطلاع الجمهورعلى افكارهم ومخططاتهم، وعرض صفحات من اعمالهم، فهناك استخفاف ملحوظ بالمتفرجين، وهناك اخفاء مقصود لكثير من الاسرار التي تلحق ضررا ببعض الاجهزة الاستخبارية، وببعض العملاء وتجارالحروب الذين يطمعون بتنفيذ ادوار اخرى مستقبلية.
الأمر الأكثر أهمية وخطورة في نهاية مشهد هذه الظاهرة المأساوية أنها سوف تكون مصاحبة لنهايات أخرى عديدة في المنطقة ، فهذا الامر يتعلق بكثير من الانظمة الحاكمة وتوابعها، حيث ان كثيرا منها ارتبط وجودها واستمرارها بهذه الظاهرة تحت غطاء محاربة التطرف والارهاب، وعندما تنتهي ظاهرة التطرف سوف تنتهي معها الادوار المرتبطة بها حتما ، و يبدو أنها نهاية مرحلة كاملة بكل عناصرها وأطرافها وشخوصها وأفكارها وأشياء أخرى استنفدت أغراضها، و سوف يتم اسدال الستار الكثيف على كل كراكيب المرحلة السابقة ، لتبدأ فصول مرحلة أخرى جديدة مختلفة.
من المدهش حقا ان هذا المشهد الدامي، وهذه الحرب المصنوعة التي تدفع كلفتها البلاد العربية شعوباً وأنظمة وجيوشاً ومؤسسات، لا تؤثر سلباً على القوى العالمية والإقليمية، بل على العكس تماماً نجد أنها هي المستفيد الأكبر، وسوف تكون هذه القوى شريكة في تقاسم الغنائم وإقامة مخططاتهم المستقبلية على أنقاض المجتمعات العربية المتهالكة وأجيالها الضائعة، وسوف يرسم معالم المنطقة أولئك الذين صنعوا الأحداث وشاركوا في توجيهها والاستثمار فيها بذكاء، ومن الملاحظ أن الكيان الصهيوني هو المستفيد رقم واحد من كل ما جرى، والأشد خطورة أنه كيان يوظف ذلك في رسم معالم المستقبل القادم للمنطقة، وهو يعد نفسه ليكون القوة الأولى سياسياً واقتصادياً، حيث أنه من المحتمل أن يصبح المصدّر الأول لمادة الغاز الطبيعي من حقول المتوسط، لقارة أوروبا، بالاضافة إلى قدرته على امتلاك التقنية الزراعية المتقدمة التي تجعله المصدّر الأول لكثير من أصناف الخضار والفواكه والورود، بالإضافة إلى تصنيع الأسلحة وامتلاك القوة النووية.
لا سبيل لامتلاك موضع قدم على خريطة المستقبل إلا من خلال امتلاك القوة الذاتية، المنبثقة من القدرة على تفعيل امكانات الشعوب وتفجير طاقاتها وتوجيهها في محصلة بناء المستقبل، وهذا يحتاج إلى بيئة سياسية وثقافية منتجة وفاعلة قادرة على استنبات بذور النماء والابداع، والاستثمار في الإنسان، وبغير ذلك ودون الأخذ بالأسباب سوف تطوينا صفحات الزمن ونختفي في غياهب النسيان.