معركة النزاهة
رغم رهان البعض على عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد، إلا أنها تمت. وهذا مهم لناحية عدم عودة "مجلس 111" المزور.
وما ميز انتخابات يوم أمس، وجود الهيئة المستقلة للانتخاب التي أشرفت على كل تفاصيل العملية الانتخابية، فلم نشهد مخالفات ممنهجة ومنظمة تؤدي إلى نزع سمة النزاهة عن هذه العملية.
معظم المخالفات شكلية، وتتعلق بضبط محاولات شراء أصوات من قبل بعض المرشحين وأنصارهم، وممارسة دعاية انتخابية، وتصويت الأمّي، ومحاولة أعضاء بعض اللجان توجيه الناخبين لصالح مرشحين يعرفونهم.
رصْد يوم الاقتراع وحتى ساعة متأخرة، بشهادة صحفيي "الغد" والمراقبين الدوليين والمحليين، أظهر وجود مخالفات محدودة تمت من قبل مرشحين ومؤازرين لهم، فيما لم يُرصَد تدخل رسمي في العملية كما كان يحدث في سنوات سابقة، وهذا هو المهم.
يوم أمس لم يكن الاختبار مرتبطا بنسب المشاركة التي جاءت بمستوى معقول، بل كان يتعلق بتأكيد نظافة الانتخابات، وعدم تزوير إرادة الناخبين كما حدث في مرات سابقة.
الهيئة المستقلة نجحت باقتدار في اجتياز الاختبار الصعب؛ إذ سعت على مدى ساعات الاقتراع إلى التعامل بشفافية مع كل الملاحظات، وتطبيق القانون، أينما توفرت لها الإمكانية لذلك.
ما تم إنجازه يمكن لنا البناء عليه، لاسيما أنه عكس تقديرا رسميا لخطورة تزوير الانتخابات، وارتفاع كلف هذا الخيار، ليس على العملية الانتخابية فحسب، بل على الأردن ومستقبله؛ فالبلد لا يقدر على تحمل انتخابات جديدة مزورة.
أمام معيار النزاهة تضعف أهمية الحديث عن نسب المشاركة التي تشكك المعارضة فيها، وتؤكد أنها غير حقيقية؛ إذ لا جدوى من مشاركة نسبتها 90 % أو 20 % طالما أن هناك تزويرا وسلبا لإرادة المجتمع.
نسبة المشاركة ليست هي المعركة؛ فكلنا يعلم أن عدد المسجلين في الانتخابات يبلغ 2.2 مليون أردني من أصل 3.7 مليون مواطن يحق لهم التصويت. ولا يخفى على أحد أن المقاطعة قائمة، وأن قوى سياسية وشرائح مجتمعية غائبة عن هذه الانتخابات، رفضا لقانون الانتخاب الذي لم يلق توافقا شعبيا بشكل مطلق.
أما عن ماهية مجلس النواب الجديد، فلن تختلف كثيرا في جوهرها عن المجالس السابقة؛ فغالبية الوجوه رأيناها في مجالس نيابية سابقة، وهنا يبدأ التحدي الحقيقي.
الحكم الأولي على البرلمان قائم في أذهان الأردنيين، ومتشكل جراء تجارب سابقة. وتغيير هذه الصورة بحاجة إلى أداء غير عادي من قبل النواب الذين يمثلون جميع الأردنيين، وليس من انتخبهم فقط.
هذه المسؤولية تحتم على المجلس الجديد التطلع إلى طموحات الشارع، ومحاولة الاستجابة لها، تحديدا ما يتعلق بوضع قانون انتخاب يحقق التوافق، ويجعل الجميع ينخرطون في عملية الإصلاح.
شعبيا، الموقف من المجلس الجديد سيرتبط بالتأكيد بمواقفه من الملف الاقتصادي، وتحديدا ما يتعلق بتوجهات رفع أسعار الكهرباء، إضافة إلى دور المجلس في فتح ملفات الفساد التي طويت في عهد مجلس النواب السابق الذي كان بعض أعضائه جزءا منها.
بإجراء انتخابات نزيهة، يكون الحراك الإصلاحي حقق منجزا جديدا، يضاف إلى المنجزات التي تحققت خلال السنتين الماضيتين، ومنها إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب؛ فعدم التدخل في الانتخابات إنما يعكس احتراما لإرادة الأردنيين، وفهما لطبيعة وحساسية المرحلة التي تختلف عن زمان مضى.
(الغد)